مؤشرات إيجابية.. القطاع الخاص اجتراح دينامية تكيّف مع الواقع المأزوم

في ظل انكفاء الدولة وغياب خريطة طريق واضحة قادرة على انتشال البلاد من براثن الوهن المالي والنقدي والجمود القاسي الذي يطال غالبية القطاعات التنموية، استطاعت "ماكينة" القطاع الخاص اجتراح دينامية تكيّف مع الواقع المأزوم، واستطاعت جرّ عربة النموّ إلى الأمام قليلاً. "ماكينة" القطاع الخاصّ عبّدت بعض الدرب أمام الدولة إذا ما شاءت الاستفاقة من غفوتها، للقيام بما لها وعليها من خطوات لاحتضان الخروج القيصري من عنق الأزمة، والعناية بالمستجدات الإيجابية التي تحققت حتى الآن في البلاد ولدى العباد والاقتصاد، وللمحافظة على الاستقرار النقدي المكتسب حتى اليوم.


وعلى الرغم من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية نتيجة الحرب على غزة، فإن تقلص العجز في الحساب الجاري بنسبة 22%، وارتفاع تحويلات المغتربين بنسبة 4.1%، وتنامي الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة بنسبة 1.7%، وتزايد الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 24.4%، مؤشرات إيجابية واعدة عن عام 2023 مقارنة بعام 2022، وتعيد ضخ الأمل في شرايين الاقتصاد، والوضعين المالي والنقدي. وليس جديداً القول إن مصرف لبنان استطاع خلال عام 2023 ضبط انخفاض صافي موجوداته من العملات الأجنبية، برغم توكله عن الدولة في تسديد رواتب وأجور القطاع العام بالدولار، وسجل عام 2023 انخفاضاً بنحو 812 مليون دولار، مقارنة بـ3.04 مليارات عام 2022.


وفي تفاصيل الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، فقد بلغ العجز في الحساب الجاري الخارجي للبنان 5.6 مليارات دولار في عام 2023، بما يشكل انخفاضاً بنسبة 22.3% من عجز وصل الى 7.3 مليارات دولار في عام 2022، بعدما كان قد وصل الى 1.3 مليار دولار في الفصل الأول وارتفع بنسبة 12.7% مقارنة بالفصل الأول من عام 2022؛ فيما بلغ 1.5 مليار دولار في الفصل الثاني، و1.4 مليار دولار في الفصل الثالث، و1.45 مليار دولار في الفصل الرابع من عام 2023، ما شكل انخفاضاً بنسبة 29.2%، و37.5%، و17.22%، على التوالي، من الفصول نفسها من عام 2022. ويشمل الحساب الجاري من الميزان التجاري، الصادرات والواردات من السلع، وكذلك ميزان الخدمات الذي يشمل الصادرات والواردات من خدمات النقل، والسياحة، والتأمين وغيرها من الخدمات. كذلك يشمل تحويلات المغتربين إلى لبنان، وعائدات الاستثمار والتحويلات الحكومية. وتشير مكوّنات الحساب الجاري الى أن العجز في الميزان التجاري بلغ 12.7 مليار دولار في عام 2023، وتقلص بنسبة 6.6% من 13.6 مليار دولار في عام 2022. وانخفضت قيمة السلع المستوردة بنسبة 7.1% سنوياً إلى 16.9 مليار دولار في عام 2023، فيما تراجعت قيمة الصادرات بنسبة 8.4% إلى 4.1 مليارات دولار.


على صعيد تحويلات المغتربين الى لبنان تشير الأرقام الى أنها بلغت 6.7 مليارات دولار في عام 2023، بما شكل ارتفاعاً بنسبة 4.1% من 6.4 مليارات دولار في عام 2022، مقارنة بزيادة وصلت نسبتها الى 1.3% في عام 2022. توازياً، بلغت تحويلات المغتربين الخارجة من لبنان 1.78 مليار دولار في عام 2023، أي بارتفاع بنسبة 2.2% من 1.74 مليار دولار في عام 2022. على هذا النحو، ووفق الأرقام التي وردت في التقرير الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week، فقد بلغ صافي تحويلات المغتربين إلى لبنان 4.9 مليارات دولار في عام 2023، بما يشكل زيادة بنسبة 4.7% من 4.7 مليارات دولار في عام 2022، وهو المستوى الأعلى لصافي تحويلات المغتربين في الفترة التي تراوح بين عامي 2002 و2023.


وعلى الرغم من تراجع النشاط السياحي عموماً بدليل انخفاض عدد السيّاح بنسبة 24%، فإن الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة التي بلغت 5.4 مليارات دولار في عام 2023، بارتفاع بنسبة 1.7% من 5.3 مليارات دولار في عام 2022. كذلك، وصل الإنفاق السياحي من اللبنانيين في الخارج الى 3.7 مليارات دولار في العام الماضي، أي بارتفاع بنسبة 15.5% من 3.2 مليارات دولار في عام 2022. وهذه الأرقام تبيّن أن صافي الإيرادات الناتجة عن السياحة في لبنان انخفضت بنسبة 19% إلى 1.7 مليار دولار في عام 2023. وشكلت الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة كما الإنفاق السياحي المستوى الأعلى لهما منذ عام 2019، بينما وصل صافي الإيرادات الناتجة عن السياحة في لبنان إلى ثاني أعلى مستوى له منذ عام 2019.


وفي انتظار معرفة مصير المنحة الأوروبية بقيمة مليار يورو، لوحظ أن الحساب الرأسمالي اللبناني الذي يشمل المنح الأجنبية، سجل فائضاً قدره 610 ملايين دولار في عام 2023، أي بانخفاض بنسبة 60.5% من فائض قدره 1.5 مليار دولار في عام 2022، ما يشكل أدنى فائض له منذ عام 2020. وبلغ معدل فائض الحساب الرأسمالي في لبنان 1.6 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين عام 2013 وعام 2018، وذلك بسبب المِنَح التي وردت لدعم اللاجئين السوريين وغير السوريين والمجتمعات المستضيفة في البلاد. وسجل فائض الحساب الرأسمالي تراجع في عام 2019 بسبب انخفاض المنح النقدية التي تلقتها الحكومة.

الى ذلك يبدو أن الاستثمارات الاجنبية والمحلية بدأت تسجّل نشاطاً لافتاً. ووفق الأرقام المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وصافي المحافظ الاستثمارية وغيرها من الاستثمارات التي تقع تحت بند الحساب المالي في لبنان فقد حققت فائضاً قدره 3.4 مليارات دولار في عام 2023، مقارنة بفائض 5.6 مليارات دولار في عام 2022. ووصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الى 655.4 مليون دولار في عام 2023، ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 24.4% من 526.8 مليون دولار في عام 2022، فيما بلغت المشاريع الاستثمارية الأجنبية المباشرة الخارجة من لبنان 72.7 مليون دولار في عام 2023، في مقابل استثمارات صادرة من لبنان بقيمة 66.2 مليون دولار في عام 2022. وبهذا، بلغ صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان 582.8 مليون دولار في عام 2023، وارتفعت بنسبة 26.5% عن 460.7 مليون دولار في عام 2022. أيضاً، بلغ صافي المحافظ الاستثمارية الخارجة من لبنان 2.45 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بتدفقات خارجة من لبنان بقيمة 3.9 مليارات دولار في عام 2022. إضافة الى ذلك، سجلت التدفقات الاستثمارية الأخرى الى لبنان قيمة 4.6 مليارات دولار في عام 2023 مقارنة بتدفقات واردة بلغت قيمتها 6.5 مليارات دولار في عام 2022. وتشمل الاستثمارات الأخرى تدفقات الودائع إلى القطاع المصرفي وتراكمات نتيجة تخلف الدولة عن سداد مستحقاتها الخارجية منذ آذار 2020.

على صعيد آخر، بلغت المعاملات غير المسجلة، أو الخطأ والحذف (Errors and Omissions)، +1.6 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بـ+75.6 مليون دولار في عام 2022. ووفقاً لمصرف لبنان، فإن المعاملات غير المسجلة تعزى جزئياً إلى مصادر البيانات غير الكافية في بعض القطاعات الاقتصادية. وهي تشمل التعديلات الأخرى لمدفوعات التجارة الخارجية، وخدمات التأمين، وتحويلات المغتربين، وخدمات السفر، وخدمات النقل، والاستثمارات المباشرة في القطاع الخاص والمحفظة الاستثمارية. أخيراً، انخفض صافي الموجودات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان بقيمة 812.8 مليون دولار في عام 2023 مقارنة بتراجع قدره 3.04 مليارات دولار في عام 2022.