ماذا سيسمع لبنان في اجتماع "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"؟

لطالما كانت كتابة تاريخ لبنان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسردية أنه وطن اللجوء والهجرة على حد سواء، إذ لم تفارقه طوال العقود الأخيرة الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي كانت ولا تزال تضغط على بنيانه الاجتماعي، مسببة الهجرة المستدامة لأجياله الشابة من جهة، ومشرعة حدوده الشرعية وغير الشرعية لاستقبال اللاجئين الهاربين من قساوة الظروف السياسية والأمنية في بلدانهم الأم.


موجات اللجوء الحديثة التي لا تزال بصماتها حاضرة في المجتمع اللبناني، بدأت مع وصول نحو 200 ألف لاجئ أرمني هاربين من البطش العثماني بعد مذابح 1915 مشكلين الموجة الأولى، تلتهم موجتا اللجوء الفلسطيني الأولى عام 1948 (120 ألف لاجئ) والثانية بعد هزيمة 1967 (200 ألف لاجئ) ليزداد عددهم بعد تهجير مخيّم اليرموك في سوريا عام 2014 ليصبح مجموع اللاجئين الفلسطينيين نحو نصف مليون تقريباً.


إلى ذلك دخل لبنان ما لا يقل عن 60 ألف لاجئ عراقي بعد اجتياح العراق سنة 2003 بقي منهم نحو 10 آلاف يحمل معظمهم وثائق أممية. بيد أن آخر موجات النزوح هذه كانت موجعة ومكلفة للبنان واللبنانيين عموماً، وذلك بدخول أعداد هائلة من السوريين الى لبنان تباعاً منذ عام 2012 حتى وصل عددهم حالياً الى أكثر من 2.2 مليون لاجئ بفعل الظروف الأمنية في بلادهم.

يدرك الجميع أن النزوح السوري أثر على لبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وأمنياً وبيئياً وعلى الاستقرار العام فيه مع تنامي شعور بالقلق لدى عموم اللبنانيين من التغيير الديموغرافي والمجتمعي، وهو ما أشارت إليه مقدمة توصيات مجلس النواب. فهذه القضية "الأكثر تعقيداً وخطورة هي في الواقع أكثر الملفات التي توحّد اللبنانيون حولها من منطلق وطني ورفض مقاربتها بخلفيات عنصرية أو استهدافات خارج الأطر القانونية.


وعشيّة انعقاد المؤتمر الثامن لـ"دعم مستقبل سوريا والمنطقة" في بروكسيل في 28 من الجاري، وفي انتظار ما سيسمعه الوفد اللبناني برئاسة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب عن معضلة النازحين السوريين على أراضيه، تؤكد مصادر متابعة أن "وزير الخارجية بوكالته عن حكومة تصريف أعمال تقوم وكالةً مقام رئيس الجمهورية يدرك أن "الوزن السياسي للوفد وأوراق القوة كلاهما لا يبدلان في رأي من قرر سابقاً وحمى النزوح السوري الى لبنان ولا يزال يموّل بقاءه ويرمي منحة المليار يورو ويعد بمثيل له لإبقاء المليوني نازح وضبطهم داخل أسوار لبنان بهدف إبعادهم عن اثنين: العودة الى سوريا بما قد يتسبّب لهم وللنظام، وكذلك عن أمواج المتوسط التي حملت سابقاً الكثير منهم الذين وصلوا الى شواطئ أوروبا لاجئين موجوعين أو جثثاً عائمة".


ولكن الوزير السابق نقولا نحاس يدعو الى "عدم استباق الأمور والتكهن بما قد يؤول إليه هذا الاجتماع خصوصاً أن ملف النازحين السوريين قد يشهد جدلاً كبيراً بين الأوروبيين". ولفت الى أنه عندما زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبنان للإعلان عن مساعدات بقيمة مليار يورو، قامت الدنيا ولم تقعد، وكانت النتيجة "زوبعة في فنجان" لأن الآراء المعارضة لم تُبنَ على معطيات واقعية، فيما أثبت مجلس النواب في توصياته أنها ليست "رشوة" كما أشيع، علماً بأننا نحصل على الأموال الأوروبية منذ عام 2018، وإن كانت أرقامها ارتفعت بعدما خُصّص بعض منها للجيش وقوى الأمن الداخلي.

من وجهة نظر الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور أيمن عمر، "لا عودة للاجئين دون موافقة وقرار الدولة السورية بذلك. لذا يجب أولاً التواصل مع الحكومة والمسؤولين السوريين والاجتماع معهم للبحث ومناقشة كيفية إعادة اللاجئين إلى مناطقهم، بل العمل على تشكيل لجنة مشتركة تضمّ ممثلين عن الدولتين السورية واللبنانية والمنظمات الدولية المعنية بهذا الملف من أجل وضع الخطط اللازمة لذلك. ولكن هذا الأمر يتطلب أولاً قراراً من الدولة السورية بإعادة اللاجئين إلى مناطقهم، وإخراج الملفّ من دائرة الابتزاز السياسي والمالي".


وليس خافياً أن عدداً من اللاجئين لديهم ملفات أمنية ويخشون من العودة والاعتقال والسجن وربما القتل، وهذا يتطلب برأي عمر "ضمان أمن وسلامة العائدين، عبر تبييض صفحاتهم الأمنية والقضائية من الدولة السورية عبر عفو يشملهم ضمن شروط واعتبارات محددة".

الى ذلك، يرى عمر ضرورة "فك العزلة الدولية عن سوريا وإلغاء قانون قيصر والعقوبات عليها، وهذا يتطلب قراراً أميركياً، وفي ذلك إضفاء الشرعية الدولية على النظام السوري ورئيسه وإعادة تعويمه، وإن كان هذا أمراً مستبعداً حدوثه" برأي عمر، أقله على المدى المنظور.

وفي هذا الإطار ولأن عملية الإعادة عملية مكلفة جداً وتحتاج إلى أكثر من 5 مليارات دولار في أقل تقدير، يقترح عمر "إنشاء صندوق دولي من أجل تأمين تكاليف العودة المالية كخطوة أولى، ولاحقاً لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب كخطوة ثانية. وهنا يأتي دور المنظمات الدولية والإنسانية في المساعدة على ذلك، عبر عقد مؤتمر دولي بهدف التحشيد الدولي لدعم الصندوق مالياً، علماً بأن هذا الدعم يجب أن يُقدّم للدولتين اللبنانية والسورية.

هذه التحديات تجعل أمام إعادة اللاجئين عقبات يصعب حلها بين ليلة وضحاها، وخصوصاً في ظل غياب القرار الأميركي بالسماح بالعودة. وهذا العامل الأهم وفق عمر، ودونه تصبح العودة مجرد تمنيات بعيدة المنال.

ولكن هذا لا يمنع حتى تحين تلك اللحظة من إعداد خطة الإعادة من مسح شامل للسوريين في لبنان: أعدادهم، أماكن إقامتهم، المناطق التي ينحدرون منها في سوريا وغيرها، وكذلك تهيئة الظروف الديبلوماسية، والبدء بتحشيد الدعم المالي المطلوب.