ما هي "المنافذ الديبلوماسية" التي قد تساعد لودريان في مهمته؟

يصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان غدا الى لبنان في محاولته السادسة لحل معضلة الفراغ الرئاسي من خلال توافق الاطراف اللبنانيين على حسم الملف الرئاسي خلال الاسابيع المقبلة عبر مشاورات عاجلة، وانتخاب رئيس لان انتخابه بالنسبة الى فرنسا ضروري في مفاوضات الحل السياسي المتعلقة بجنوب لبنان، وتشكيل حكومة فاعلة تعيد بناء مؤسسات الدولة، في موازاة البحث في الورقة الفرنسية لوقف تصاعد الحرب على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية.

والسؤال: كيف سيتمكن لودريان اولا من حل معضلة اصرار الثنائي الشيعي على ترشيح سليمان فرنجيه الذي لم يفلح حتى الآن في تشكيل تحالف يؤمّن انتخابه رئيسا للجمهورية بعد اكثر من سنة ونصف سنة من الفراغ، ورفضهما البحث في أي مرشح آخر؟ ولا يبدو حتى الآن ان الطرح الذي قدمه لودريان حول المرشح الثالث متوافر. ثانيا ان تأمين عودة السلام على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وفق الورقة الفرنسية التي رفض "حزب الله" البحث في بنودها غير متوافر حاليا أيضا وهو مستمر في جبهة اسناده جنوبا، ولن يتوقف قبل انتهاء القتال في غزة، وفق ما اعلن امينه العام السيد حسن نصرالله.

ينطلق لودريان في جولته السادسة من امكان حصول توافق بين القوى الاقليمية والدولية حول العديد من النقاط لمستقبل الشرق الأوسط. ووجود هذه النافذة الديبلوماسية مبني على التطورات الاخيرة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط والتي قد تسهل سد الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة فاعلة تقوم بالاصلاحات الاساسية التي هي مطلب دولي منذ ان عُقد مؤتمر "سيدر" عام 2018 حيث تعهد المجتمع الدولي تقديم مساعدات تفوق الـ 11 مليار دولار شرط ان تقوم الدولة اللبنانية باصلاحات اساسية واقتصادية، وحتى الآن لم يتم تنفيذها.

وتشير مصادر ديبلوماسية الى ان منطقة الشرق الاوسط تواجه عددا من الاستحقاقات، منها اولا الانتقال الرئاسي وخلافة الولي الفقيه في ايران بعد مصرع الرئيس ابراهيم رئيسي. فايران والحزب هما امام خيارين: إما التحرك باتجاه التصعيد وهذا سيؤدي الى مزيد من الحريق باتجاه لبنان، و إما حصول توافق اميركي- ايراني يقرّ بدور ايران اقليميا ويحل الملف النووي الايراني ويوقف زعزعة الوضع في الشرق الاوسط من قِبل طهران، وقد يشكل رافعة لاعادة انتخاب الرئيس جو بايدن لولاية ثانية.

ثانيا التقارب الاميركي - السعودي عبر اتفاق بين البلدين يؤمّن تعاونا عسكريا واقتصاديا على ان تشكل واشنطن حليفا استراتيجيا للمملكة التي سيكون لها دور في اعادة السلام الى المنطقة. وثالثا لقاء مرتقب بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والاميركي جو بايدن في السادس من حزيران في مناسبة الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث سيتطرق الطرفان على طاولة المفاوضات الى ملف الشرق الاوسط بتشعباته واليوم التالي في غزة، وسيكون الملف اللبناني احد اطباقها الرئيسية للمساهمة في تهدئة التصعيد بين لبنان واسرائيل على "الخط الازرق" والعمل على تنفيذ قرار مجلس الامن 1701 وضرورة خروج لبنان من ازمته المؤسساتية وانتخاب رئيس.

فهل ستفتح هذه النوافذ الديبلوماسية سبيل الحل داخليا واقليميا وتضغط على اللاعبين السياسيين داخليا وخارجيا لسد الفراغ الرئاسي في المرحلة الاولى؟

في هذا السياق، ولتجاوز الوضع المشتعل في الجنوب والتشدد في انتخاب سليمان فرنجيه، يتلاقى لودريان مع الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين الذي ينطلق من فكرة تأمين الامن لاسرائيل مقابل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية ضمن ورقة عمل قد تكون قريبة من الورقة التي قدمتها باريس الى الحكومة اللبنانية خلال الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه للبنان. فهل يمكن ان تؤدي هذه المقاربة الى معادلة تفضي الى وقف التصعيد في الجنوب تجنباً لحريق لبنان وتؤمن انتخاب رئيس واعادة هيكلة الدولة من خلال تنفيذ الاصلاحات الاساسية؟

سيعود الى لودريان مواجهة التناقضات الداخلية فيما يتشدد الثنائي الشيعي في ترشيح مرشحه ويرفض البحث في مرشح آخر، وفق مصادر غربية. ولا يمكن التعويل على اي حوار او تشاور بين الاطراف الداخلية لتأمين سد الفراغ الرئاسي لان الفريق المسيحي المكون من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وحزب الكتائب ما زال يرفض فرض مرشح عليه ترفضه اكثرية في مجلس النواب.

فهل يمكن لباريس و"الخماسية" تسويق فكرة المرشح الثالث، او دعوة اللاعبين في الداخل من خلال ضغوط تؤدي الى التوافق على مرشح ثالث خلال الاسابيع المقبلة، او فتح المجلس ليتم ديموقراطيا انتخاب رئيس يفوز بالاكثرية؟ ام ان التشدد في تعطيل هذه الانتخابات سيستمر حتى اتضاح الصورة الإقليمية بما يؤدي الى استمرار الفراغ الى اجل غير مسمى ويشكل تهديدا للصيغة اللبنانية؟