مذكرة تلزم الأساتذة العمل بالسخرة: إهانة مقصودة لـ"تطيير" الامتحانات؟

في سابقة بتاريخ وزارة التربية، صدر عن رئيس دائرة الامتحانات ومدير عام التربية بالإنابة، تعميم إلى المناطق التربوية يطلب فيه إعداد جداول بجميع الأساتذة (ملاك ومتعاقدين) للقيام بأعمال مراقبة الامتحانات الرسمية، المنوي إجراؤها في 29 من الجاري. تعميم يعتبر أن مشاركة الأساتذة بأعمال الامتحانات الزامية، وليست اختيارية كما جرى العادة. وبررت فيه وزارة التربية هذا الأمر بأن الأساتذة يتقاضون حوافز مالية من وزارة التربية لاستكمال العام الدراسي. علماً أن هذه الحوافز مخصصة لمواظبة الأساتذة على التعليم، لا للامتحانات، التي تدفعها الوزارة عادة لحث الأساتذة على المشاركة.


منافع الامتحانات للمحظيين
انكشف ظهر وزارة التربية غير القادرة على تقديم حوافز مالية بالدولار للامتحانات. وعوضاً عن البحث عن تمويل للامتحانات، قررت إلزام الأساتذة المشاركة عنوة. وقد أتت هذه المذكرة بعد فضيحة عدم دفع مستحقات الأعمال الإدارية للامتحانات السابقة، وإجراء خصم على أكثر من 1300 موظف وأستاذ، وصل إلى أكثر من ستين بالمئة من تلك المستحقات.
لطالما كانت الامتحانات مصدراً لانتفاع رئيس اللجان الفاحصة ورؤساء اللجان ورؤساء المناطق التربوية، وصولاً حتى إلى الموظفين الموكلين القيام بالزيارات التفقدية لمراكز الامتحانات. وكان المنتفع يجني مبالغ تصل إلى أكثر من ستين ألف دولار على أعمال يفترض أنها في صلب مهامه الوظيفية. وكانت الوزارة وما زالت تشرك مئات الموظفين بالامتحانات لا عمل لهم، بل لمجرد الانتفاع. وعوضاً عن وقف التنفيعات بكلفتها الباهظة على الامتحانات، وتوفير المال لدفع حوافز للمراقبين والمصححين، كي يتمكنوا أقله من الوصول إلى مركز الامتحانات، مدت الوزارة يدها إلى جيوب أضعف فئة في قطاع التربية كله. فالموظفون في الوزارة يسجلون دوامات عمل إضافية لقاء الأعمال الإدارية ويحصلون أموالاً عن عمل في صلب مهامهم، لكنهم يستكثرون على الأستاذ مبلغ 18 دولاراً (بدل الاتعاب المحددة العام الفائت) كي يشارك بالمراقبة. هذا رغم أن الأساتذة ينتقلون من قضاء إلى آخر للالتحاق بمركز الامتحانات، فيما الموظفون يداومون في وظائفهم العادية.      

تعميم مهين للأساتذة
وتعليقاً على هذا التعميم لفتت رابطة أساتذة التعليم الثانوي في بيان مقتضب (نال انتقادات أساتذة في كل لبنان) إلى أنها تحرص على إجراء الامتحانات الرسمية بموعدها المحدد، لكنها تستهجن آلية طرح دائرة الامتحانات الرسمية المتعلقة بدعوة الأساتذة للمشاركة في المراقبة التي هي غير إلزامية، وإجراء الامتحانات وربطها بالحوافز المقررة سابقًا.

مصدر في الرابطة لفت إلى أنهم حريصون على الامتحانات أكثر من القيمين على الامتحانات نفسها، لكن ليس بهذه الطريقة تعالج الأمور. وبالتالي، ستعقد الرابطة لقاء مع وزير التربية عباس الحلبي، لرفض هذه المذكرة ولعرض مطالب الأساتذة بما تعلق بحوافز الامتحانات.
وبعيداً من أن العام الدراسي ينتهي فعلياً بحسب تعاميم الوزارة نفسها في 26 حزيران، أتى التعميم المنوه عنه سابقاً، ليعتبر أن العام الدراسي ينتهي مع انتهاء الامتحانات الرسمية. ويشير مصدر نقابي آخر إلى أنه لم يسبق أن صدر هكذا تعميم عن أي وزير تربية سابق. ويستغرب المصدر أن يتم توريط الوزير الحلبي بهكذا تعميم من شأنه تحريض الأساتذة على عدم المشاركة. فمراقبة الامتحانات واجب وطني لكنه أمر غير ملزم للأساتذة، بل هو خيار شخصي. وتدفع وزارة التربية بدلات أتعاب لقاء مشاركة الأساتذة بالامتحانات. أما التعميم فأتى مهيناً لأنه اعتبر أن الحوافز المالية التي يتلقاها الأساتذة لتعليم الطلاب، بمثابة حوافز لإجراء الامتحانات. أي كأنه يقول للأساتذة أنه عليهم العمل بلا أجر.
أكثر من مصدر نقابي اعتبر أن هذا التعميم معيب بحق الأساتذة. ونصحت المصادر وزارة التربية بعدم تحدي الأساتذة بهذه الطريقة، وإلزامهم بأمر لا يمكن تطبيقه على الأرض. بل عليها البحث عن مصادر تمويل لرفع ميزانية الامتحانات ودفع حوافز مالية ترضي المعلمين.

تحميل الأساتذة مسؤولية الامتحانات
وتسأل المصادر: من قال إن الأساتذة لا يريدون المشاركة في الامتحانات كي تصدر مذكرة جلب بحقهم، كما لو أنهم متهمون بجناية أو جنحة؟ فلطالما كانت إشكالية إيجاد مراقبين للامتحانات تقتصر على جبل لبنان. ولا تستطيع الوزارة تأمين مراقبين ومصححين إلا بالاستعانة بأساتذة من مناطق أخرى. وكانت الحوافز المالية بالدولار دافعاً لحث الأساتذة على المشاركة منذ اندلاع الأزمة المالية في لبنان، وتراجع قيمة رواتب الأساتذة وبدلات أتعاب الامتحانات. وكان أساتذة الجنوب وطرابلس يسدون النقص في جبل لبنان. لكن الوزارة اليوم تعالج النقص بمراقبي جبل لبنان عبر إصدار تعميم، يستشف منه أنه على الأستاذ العمل بالسخرة.
وتشرح المصادر، أن تسجيل الأساتذة أسمائهم للمشاركة بأعمال الامتحانات ما زال بطيئاً، وذلك بانتظار معرفة المبالغ التي ستدفعها الوزارة كحوافز. وهذا أمر طبيعي حيال تأخر الوزارة بتحديد مبالغ الحوافز، التي من دونها لا أحد يشارك بالامتحانات. لكن تعميم الوزارة أتى معيباً، وسيعقد الأمور. فمنذ بداية العام الدراسي رضي الأساتذة بحوافز 300 دولار كبدل إنتاجية للذهاب إلى المدارس، ولم تحصل أي اضطرابات خلال العام الدراسي، رغم أن هذه المبالغ هزيلة ولا تسد رمقهم. لكن التعميم فتّح جروحهم وزاد من نقمتهم.
وتسأل المصادر: هل وزارة التربية لا تريد إجراء الامتحانات لأسباب مالية وأمنية وتريد تحميل الأساتذة المسؤولية؟ فالهدف من هذا العميم توجيه إهانة للأساتذة على اعتاب الاستعداد للامتحانات كي ينتفضوا و"تطير" الامتحانات. فمن كان من الأساتذة ممتنعاً عن المشاركة بالامتحانات في السنوات السابقة ازداد قناعة بعدم التفكير بالمشاركة. ومن كان متردداً في المشاركة حسم أمره رفضاً للإهانة. والوزارة تعلم أن هذا التعميم يؤدي إلى هذه البلبلة.