مستقبل الأنفاق والسّلاح الفلسطيني في لبنان إذا قامت دولة فلسطينيّة منزوعة السّلاح؟!

تتعدّد المقاربات حول ما يحصل على المستوى الإقليمي، ولا سيّما أن كثيراً من الأطراف الداخلية تبدو مُربكَة بين السيادة من جهة، والسّلاح من جهة أخرى، فيما لا بدّ من إرساء الإنضباط الرّسمي اللّازم المتعلّق بهذه النّقطة، بما ينسجم مع المصلحة اللّبنانية.

الوضع ليس سهلاً، خصوصاً مع عودة طرح تطبيق القرار 1559 الى الواجهة من جديد، لا سيّما أن متغيّرات كثيرة تحصل في الشرق الأوسط، قد يكون من أبرزها، إعلان رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتية عن "اقتراح مضادّ" لـ "صفقة القرن"، يقوم على إنشاء "دولة فلسطينية ذات سيادة، مستقلّة ومنزوعة السّلاح، مع تعديل على رسم الحدود عند الضرورة"، بحسب تعبيره.

 

السّلاح الفلسطيني

فدولة فلسطينية منزوعة السّلاح، لا بدّ لها من أن تضع ملف السّلاح الفلسطيني في لبنان، على طاولة بحث جدّي، وبلا أي تأخير، وحتى ولو كان (هذا السّلاح) محصوراً داخل المخيّمات الفلسطينية. كما لا بدّ لدولة فلسطينية منزوعة السّلاح (بحسب رئيس الحكومة الفلسطينية) من أن تطرح ملف "الاستراتيجية الدّفاعية" في لبنان على الطاولة سريعاً، في شكل براغماتي وعلمي، وكاسر لأي محرّمات.

وانطلاقاً من هنا، لا مجال بعد اليوم للقيام بمزايدات سياسية غير مُجدِيَة، بدلاً من الإنصراف الى العمل المنطقي، وتحضير الورقة اللّبنانية بالكامل، وتحصينها، ضدّ كلّ ما يُمكنه أن يحصل في المنطقة، وينعكس بتأثيره على الدّاخل اللبناني الهشّ أصلاً.

 

سوابق

أكد العميد المتقاعد، وقائد عملية "فجر الجرود"، فادي داوود، أن "الحديث عن دولة منزوعة السّلاح يطرح علامات استفهام حول تلاقي ذلك مع توفّر مبدأ السيادة المُكتملة".

وأوضح في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أنه "توجد سوابق تاريخية على جَعْل مناطق جغرافية منزوعة السّلاح، وليس القيام بذلك على مستوى دول. فالسيادة لا يُمكنها أن تكون قابلة للحياة، إذا كانت الدّول منزوعة السّلاح".

وقال:"في تشريح منطقي للملف، نجد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يصرّ على ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية. وهو يرى فرصة تاريخية لتحقيق ذلك، في الوقت الرّاهن، انطلاقاً من أن الولايات المتحدة الأميركية تسمح له بالتمدُّد شرقاً، دون الإستناد الى حدود 4 حزيران 1967، بل الى خطة السلام التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تعطيه نحو 70 في المئة من أراضي الضفّة".

ورأى أن "قبول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بطرح التعديل على رسم الحدود، بحسب كلام رئيس الوزراء الفلسطيني، قد يكون موقفاً تكتيكياً أكثر ممّا هو واقعي، يُحرِج الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي، ويجلبهما الى الساحة التي يُريدها (عباس) في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية. ففريق عباس لن يقبل بأي طرح يسمح بالتنازُل الفلسطيني عن المزيد من الأراضي، وذلك رغم إصرار نتنياهو على ضمّ أجزاء من الضفة الغربية".

 

أوراق ضُعف

وشرح داوود:"ما يجعل نتنياهو مُطمئناً بالأكثر، هو أن قرارات سابقة عدّة، بقيت بلا تحرّك فعلي من قِبَل أهل المنطقة، من أبرزها، نقل السفارة الأميركية الى القدس، وإعلان السيادة الإسرائيلية على الجولان، وإعلان ترامب عن "صفقة القرن". وهذا ما يشجّعه (نتنياهو) الآن على ضمّ أجزاء من الضفّة الغربية".

وأضاف:"السلطة الفلسطينية أصبحت تابعة لتل أبيب بموجب الإتّفاق الأمني بينهما، لأنه يؤمّن لها (السلطة الفلسطينية) الحماية من حركة "حماس". وهذه أيضاً ورقة ضدّ فلسطين في هذا الملف، تُضاف الى واقع أن الأردن يعتمد في أمنه المعيشي والتسليحي، على المساعدات الأميركية كثيراً. وهو ما سينعكس على أي قرار إسرائيلي حول ضمّ غور الأردن أيضاً. كما يُضاف الى أوراق الضّعف التي تقوم على أن العرب كلّهم باتوا يهتمّون منذ وقت طويل، بمشاكلهم مع إيران ومع "الأخوان المسلمين"، أكثر من اهتمامهم بالملفّ الفلسطيني".

 

الأطراف المُعارِضَة

وشدّد داوود على أن "الطرف الأقوى في معارضته لمشروع الضمّ الإسرائيلي لأجزاء من الضفّة الغربية، ولأي خطوة فلسطينية في ما يتعلّق بالقبول بدولة منزوعة السّلاح، هو إيران، التي تُمسِك بالملف الفلسطيني عبر "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

وتابع:"ولكننا نعود هنا الى موقف مرشد "الجمهورية الإسلامية" علي خامنئي، الذي كان نادى سابقاً بإجراء استفتاء للشعب الفلسطيني، يقبل بموجبه بما يقبلون به. وهو ما يعني أن مسألة إزالة إسرائيل من الوجود لم تَعُد موجودة في الفكر الإيراني، في شكل مُطلَق، وذلك دون أن نتغافل عن السؤال عمّا إذا كان يُمكن إرضاء "الجهاد الإسلامي" أو "حماس"، بلا اتّفاق على مستوى كبير".

 

1559

وردّاً على سؤال حول مستقبل السلاح الفلسطيني في لبنان، و"الاستراتيجية الدفاعية"، والقرار 1559، إذا قبِلَ الفلسطينيون بدولة فلسطينية منزوعة السّلاح، أجاب داوود:"ملف المخيّمات لن يشكّل عائقاً كبيراً، لأنها تتبع للسلطة الفلسطينية بنسبة كبيرة جدّاً، رغم بعض التواجُد لـ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" فيها. وبالتالي، سنجد المخيّمات الفلسطينية في لبنان تتموضع مع ما تقبل به السلطة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني".

وتابع:"أعتقد أن أي شيء يضمن حق العودة للفلسطينيين، سيقبلون به. وعندما يحصلون على هذا الحقّ، تنتهي مشكلة السلاح الفلسطيني في لبنان. ونُشير في هذا السياق، الى أن لبنان لا يعرف أعداد الفلسطينيين الموجودين في المخيّمات إلا من خلال المنظمات الدولية التي تقدّم لهم مساعدات. ومن يدخل المخيّمات لا يمكنه الوصول الى عمقها ومستوياتها وأنفاقها. ومن هذه النقطة يتوجّب مقاربة هذا الموضوع، وذلك مع الإحترام الكامل للأخوة الفلسطينيين".

ولفت الى أنه "يُنظَر الى القرار 1559، من ضمن أنه من قرارات مجلس الأمن التي تطوّرها القرارات التي تصدر من بعدها، وتتعلّق بها. ومن هنا، نجد أن القرار 1701، بات يُركَن إليه أكثر من الـ 1559، لأنه تطوير للأخير، في منظار المنظومة الدولية".

وختم:"لا بدّ من انتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية، لأن قوة نتنياهو الأساسية في خطواته تكمُن في ترامب. أما إذا انتُخِب المرشّح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، ونسف الخطة التي أعلنها ترامب للسلام، فإن هذا يفترض الذّهاب نحو بحث آخر، تظهر مفاعيله في المستقبل".