مشاريع يتولّاها الجيش بمساعدات دوليّة ولبنانيّة

لم تكن مشاريع افتتاح الطرقات ملقاة يوماً على كاهل المؤسسة العسكرية اللبنانية، لكنّها تحوّلت بمثابة أعمال إضافية، لا يتردّد الجيش في مساندة تولّيها بعد مرحلة الانهيار الاقتصاديّ التي تركت تأثيرات جمّة على مختلف قطاعات الدولة اللبنانية.
 
ويحاول الجيش أن يحفّز سكّان مناطق الداخل اللبنانيّ على البقاء في أراضيهم، فإذا به يخصّص جزءاً من المساعدات التي تصله في سبيل المشاريع الإنمائية. ويعمل الجيش على تحقيق أهداف عدّة أساسيّة من خلال افتتاح الطرقات، تتنوّع بين اعتبارات اجتماعية وديموغرافية وعسكرية وأمنية. وهو تولّى العمل على افتتاح سلسلة طرقات في رأس بعلبك والقاع تسهيلاً لحركة المواطنين وتنقلاتهم وحتى يكون في استطاعتهم الوصول سريعاً إلى أراضيهم بغية استثمارها، من دون إغفال أهمية وجود تلك الطرقات للدوريات العسكرية والمهامّ التي يتولاها الجيش أيضاً. وخصّصت دعوة حضوريّة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حيث افتتح طريق دير مار مارون الراسخ في المنطقة، وذلك من ضمن المشاريع التي تبلورت. ولا تشكّل البنى التحتية التي تولى الجيش بناءها على عاتقه في رأس بعلبك والقاع تطوّراً جديداً من نوعه، ذلك أنّه سبق للمؤسسة العسكرية أن اهتمّت بمشاريع كهذه، خصوصاً بعد مرحلة معركة "فجر الجرود"، حيث برزت ضرورة حينذاك للعمل على افتتاح طرقات عسكريّة ومراكز حدودية في مقدورها أن تسهّل تنقّلات الجيش ودوريّاته.

لم يتوانَ الجيش أيضاً عن مساعدة أهالي المناطق الذين أطلقوا نداءات بحثاً عن السبل الممكنة لافتتاح طرقات تمكّنهم من استثمار مساحات من أراضيهم البعيدة بعد مرحلة الانهيار الاقتصاديّ خصوصاً. وكان لا بدّ لوزارة الأشغال العامّة والنقل أن تأخذ على عاتقها مشاريع كهذه، لكنّ إمكاناتها الماديّة مضمحلّة في السنوات الأخيرة في ظلّ التراجع الاقتصاديّ، من دون إغفال علامات الاستفهام المطروحة حول أداء تلك الوزارة المخيّب في مراحل سبقت الانهيار الاقتصاديّ ثمّ غياب الإصلاحات على نطاقها وسواها من الوزارات بعد الانهيار، ما يجعل من قيادة الجيش بمثابة المرجعية التي تهتمّ المنظمات الدوليّة بالتعاون معها حالياً حتى في سبيل مشاريع الإنماء. وتشير معطيات "النهار" إلى أنّ التكاليف التي يدفعها الجيش اللبنانيّ للعمل على مشاريع افتتاح الطرقات وغيرها من المشاريع التي يقدّمها بما يشمل بنى تحتية متنوعة أو تقديمات خاصّة مباشرة لبعض العاملين في القطاعات الانتاجية، يخصّصها من مساعدات تأتيه من دول عدّة وبشكلٍ أساسيّ من الولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى مساعدات من المنظّمات المانحة ومن مواطنين لبنانيين.

وثمة أهمية لما تتولّاه مديرية التعاون العسكريّ المدنيّ في الجيش من تفاصيل مختصّة بهذه المشاريع، فيما تتمحور المهامّ الخاصّة بها حول تنسيق النشاطات اللازمة في مجالات التعاون العسكريّ المدنيّ مع جميع الوزارات المعنيّة، والتنسيق مع المنظّمات المانحة الراغبة في تمويل مشاريع في مجالات التعاون العسكري المدني، التنسيق مع البلديات والهيئات الأهلية لدراسة حاجاتها، دراسة جدوى المشاريع ومناطق تنفيذها، والإشراف على تنسيق أعمال التعاون العسكري المدني ضمن قطاعات القوى المنتشرة عملانياً. وكانت ثمة تحضيرات من الجيش للعمل على افتتاح بعض الطرقات في رأس بعلبك في شهر شباط الماضي، بحسب "النهار"، لكن حصل تأخير لتلك المناسبة في انتظار استقرار الأوضاع وانتهاء الشتاء.

من صلاحيات وزارة الأشغال العامة والنقل افتتاح طرقات أساسية في لبنان، وفق ما استقته "النهار" من خبير قانونيّ ودستوريّ متابع، وهي ليست مسألة خاصّة بالمؤسسة العسكرية، لكنّها باتت تحصل في السنوات الماضية على نطاقها أيضاً حيث يتولى الجيش افتتاح طرقات انطلاقاً من التصدّي للفراغ والتطوّع لتأدية الخدمة العامّة في ظلّ تفكك مؤسسات الدولة والانهيار الاقتصادي، فإذا به ينفّذ مشاريع افتتاح طرقات. حتى أنّ العمل على هذه المشاريع يمكن أن تتولاه الهيئة العليا للإغاثة، مع مواكبة وزارة الأشغال العامّة والنقل. وعن إمكان تولي وزارة الأشغال أعمال افتتاح الطرقات في ظلّ حكومة تصريف أعمال، فإنّ ذلك يكون بحسب ضرورة المشاريع التي لا بدّ منها وإذا كانت تتلاقى مع مبدأ التصريف الضيّق للأعمال. لكن، على تنوّع أعمال المشاريع، فإنّ الإشكالية تكمن في عدم قدرة وزارة الأشغال على أن تأخذ على عاتقها مشاريع كثيرة حالياً وسط القدرات المحدودة للدولة اللبنانية. في الحصيلة، إن الأوضاع اللبنانية الحالية تجعل من المساعدات المقدّمة للمؤسسة العسكرية اللبنانية ذات أهمية في هذه المرحلة وتحديداً لمساندة قطاعات أساسية.