مصدر ديبلوماسي: إيحاء إيراني بأن القرار في لبنان يمرّ عبر طهران

فما إن أبصرت حكومة "الى العمل" النّور، العام الماضي، حتى عاجلتها "الجمهورية الإسلامية" بزيارة رسمية لوزير الخارجية محمد جواد ظريف. وكانت سبقت زيارة ظريف، كلمة لأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، استعرض فيها ما اعتبره إنجازات إيران "الثورة" منذ انتصار "الثورة الخمينية"، في المجالات الإقتصادية والطبية والتكنولوجية... وهو ما اعتُبِر آنذاك بمثابة "خريطة طريق" إيرانية للتعاون مع لبنان، الذي رفض أي تعاطٍ من هذا الباب في ذلك الوقت، منعاً لاستجلاب عقوبات أميركية على الدولة اللبنانية. 

"حَسْكة"!

اليوم، يأتي رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الى لبنان، على متن "حَسْكة" الخروج الأميركي من "الإتّفاق النووي" وتبعاته الإقتصادية على طهران، ومحاولة إعادة إنعاش قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني، من خلال المجسّم الذي رُفِعَ له على مشارف الحدود اللّبنانية مع إسرائيل، وعلى وقع عودة النّشاط العسكري الإسرائيلي ضدّ مناطق النّفوذ الإيرانية في سوريا، في شكل مكثّف، كما بعد الإعلان عن "صفقة القرن".

لا يجب أن يسمع لاريجاني كلاماً مُغايراً لذاك الذي سمعه ظريف قبل عام، حول استحالة التعاطي اللبناني مع إيران، في أي مجال من المجالات. فلماذا يزور لبنان؟ ولماذا الإصرار الإيراني على إحراج الداخل اللبناني بزيارات يُمكنها أن تُرهقه وتفعّل لوائح العقوبات الأميركية؟ ولا سيّما أنها "تُقَوْطِب" على الأميركيين والأوروبيين والعرب في لبنان، في عزّ الحاجة الى إنقاذ مالي - إقتصادي في الوقت الرّاهن، لن تتمكّن "الجمهورية الإسلامية" من تحريكه ولو بطرف إصبعها، الذي تكتفي بتوجيهه، عبر مجسّم سليماني، الى إسرائيل. 

الفاخوري؟

فإيران تُدرك جيّداً أن لا فائدة لها من جرّ لبنان الى أي تنسيق معها من ضمن محور، في أي مجال كان، ولا حتى في مشروع مواجهتها للأميركيين، لأن أوضاع اللّبنانيين باتت في مكان آخر، وبسببها (إيران) هي بالذّات. وما طالب به نصرالله أمس، من فصل معالجة الملف الإقتصادي والمالي عن الصّراع السياسي بين الأحزاب والتيارات، لن ينفع في شيء، لأن المشكلة المالية والإقتصادية اللّبنانية سببها الأساسي هو سلاح "حزب الله".

فهل تسعى إيران، وعبر الرسالة التي نقلها لاريجاني الى رئيس الجمهورية ميشال عون، الى علاقات معيّنة مع لبنان، تتذاكى على العقوبات الأميركية، وحتى الدولية؟ أو ربّما الى مواجهات غير مباشرة مع الأميركيين، في لبنان، تتعلّق بملف عامر الفاخوري مثلاً، الموقوف بتُهمة التعامُل مع إسرائيل؟ وما هي كلفة التنسيق أو التعاطي اللّبناني مع إيران، في تلك الملفات بالذّات، ولا سيّما بعد التهديدات الأميركية للبنان، التي صدرت مؤخّراً، بسبب ملف الفاخوري؟ 

عبر طهران...

رأى مصدر ديبلوماسي أن "زيارة لاريجاني البروتوكولية، واستعجال الحركة الديبلوماسية الإيرانية في لبنان بعد تشكيل الحكومة ونَيْلها الثّقة، تشكّل في الأساس محاولة، توحي طهران من خلالها بأن القرار في بيروت يمرّ عبرها".

وشدّد في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" على أن "موقف حكومة الرئيس حسان دياب لا يمكنه أن يخرج عن الحدود التي كانت مفروضة على حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة، وعلى الحكومات اللبنانية السابقة أيضاً، في ما يتعلّق بالعلاقات اللبنانية مع إيران".

وأضاف:"الكلّ يعلم أن علاقات التعاون والتنسيق مع إيران، في الوقت الحالي بالذات، محفوفة بمخاطر كثيرة، حتى ولو اقتصرت على الصعيد الدّيبلوماسي فقط، وذلك نظراً للعقوبات المفروضة على طهران".

وأوضح:"العقوبات على إيران ليست أميركية فقط، بل انها تأخذ الطّابع الدّولي في أوجه عدّة منها، وهي تطال الدول التي تتعاون مع "الجمهورية الإسلامية" أيضاً". 

دم؟

ووضع المصدر الزيارة أيضاً في خانة "شدّ الذراع الأمنية والعسكرية للمجموعات الشعبية التي تدور في فلك "حزب الله"، بعدما بدأت تتشرذم نتيجة الحَراك الشعبي، والجوع الذي يطال الجميع".

ولفت الى أن:"زيارته تضخّ دماً في شرايين تلك المجموعات الشعبية التي بدأ تململها يظهر، رغم تبعيّتها لـ "حزب الله" وإيران".

ورداً على سؤال حول دعوة نصرالله الى فصل الحلّ الإقتصادي والمالي عن الصّراع السياسي في البلد، أجاب:"لا يمكن الفصل أبداً. فوضع لبنان الإقتصادي والمالي الحالي هو نتيجة لوجود الدولة داخل الدويلة، التي تتحكم بمفاصل القرار السياسي وغير السياسي للبنان". 

إرهاب

واعتبر أن "دولاً كثيرة حول العالم باتت تصنّف "حزب الله" في خانة الإرهاب. وهذا يلتقي بدوره مع واقع أن كلام نصرالله ما عاد مسموعاً ولا مُنتظراً، ولا حتى من قِبَل جمهوره".

وختم:"هذا يعني بدوره استحالة فصل السياسة عن الإقتصاد والمال، في التعاطي الدولي مع لبنان، لا سيّما أن التوجهات السياسية للحكومة ولوزارة الخارجية ولرئاسة الجمهورية، لا تزال تدور الى الآن، في فلك "حزب الله" وسلاحه غير الشرعي".