مطار القليعات ينتظر "لحظة الهبوط" بلا مطبات.. اقتراح مجد حرب نافذة قانونية أم إحراج للنواب؟

هي القصة القديمة لمطار القليعات. كل مرة ترتفع لغة التهديد والحرب في لبنان، تعود إلى الواجهة صورة المطار إياه.

وتزامنا مع كل التهديدات والاشتباكات التي قد تصبح حربا واسعة على لبنان، ترتفع الأصوات مجددا مطالبة بإعادة الحياة الى هذا المطار، المجمد والواقع في النسيان... والإهمال.

كثيرا ما يتردد أن "حزب الله" لا يريد إحياءه لأسباب عدة، لكن الحقيقة قد تكون أبعد من الرفض والتبرير، أو أقله قد تكون هناك مبررات تتقاطع مع هذا الموقف وهذه العراقيل التقنية التي تمنع "إقلاع" مطار القليعات، فكيف تتوزع هذه العراقيل؟

ربما قلة تذكر أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سبق أن أعلن، قبل نحو عام، أن ثمة جلسة حكومية ستخصص للبحث في تحسين مطار بيروت وإعادة تشغيل مطار القليعات. وحتى الساعة، لا جلسة ولا نقاش، بل مزيد من التهديد.

وتزامنا مع هذا الموقف، كان "تكتل الاعتدال الوطني" يعيد تحريك المياه الراكدة حول مطار القليعات، فكان أن انتقل العمل إلى داخل لجنة الأشغال النيابية برئاسة النائب سجيع عطيه الذي جال على عدد من الكتل لتفعيل العمل، وخصصت لجنة الأشغال جلساتها للبحث في الموضوع باعتباره يشكل مطلبا ملحا عند نواب الشمال أولا.

في نظر عطيه، لا بد من تجهيز القاعدة المناسبة لإعادة التشغيل في التوقيت المطلوب.

تقنيا، كان المطلوب أن يفتح مجلس الوزراء النقاش حول إعادة تشغيل مطار القليعات، تمهيدا لتفتح باب المناقصات حتى يرسو الأمر على الشركة التي ستتولى التجهيز تمهيدا للتشغيل. واللافت أن ثمة مرسوما حكوميا صادرا في هذا الشأن، إذ لا مبرر للتذرع بأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال!

نافذة حرب... القانونية

أمام هذه المطبات التي تبدو حتى اللحظة مزيجا من السياسي والتقني، برزت نافذة قانونية قد تشكل أحد المخارج الممكنة.

قبل شهر تحديدا، وفي 18 تموز الفائت، برز اقتراح قانون للمحامي مجد حرب، صاغه بعناية على شكل اقتراح قانون معجل مكرر قد يحصد تواقيع عدد من النواب. فماذا جاء فيه؟

يتألف الاقتراح من مادة وحيدة تنص حرفيا على الآتي: "يخصص اعتماد بقيمة خمسة ملايين دولار أميركي، لإجراء دراسة حول توسيع مطار الشهيد رينيه معوض وتطويره في القليعات، بالإضافة إلى مطار حامات ورياق، وتحويلها إلى مطارات مختلطة عسكرية ومدنية لتأهيلها واستقبال الركاب والبضائع، خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، على أن تصرف بناء على هذه الدراسة، المبالغ اللازمة لتنفيذها من الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان، في حال لم تكن الحكومة قد نفذت قبل إنهاء هذه الدراسة، قوانين الخصخصة أو تنظيم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص".

يشرح حرب: "هذا الاقتراح يأتي تحت عنوان تأهيل مطارات جديدة بهدف الاستعمال المدني".

هو يدعو إلى "التفكير في الخروج من دوامة الجدل العقيم، عبر هذه المبادرة القانونية لاستخدام وسيلة قانونية- دستورية وحل مشكلة كبيرة تواجه الشعب، من خلال طرح اقتراح قانون معجل لتأهيل مطارات عسكرية في القليعات وحامات ورياق، بهدف تحويلها مطارات مختلطة الخدمات".

لم يصل بعد نص الاقتراح إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، إذ سيباشر حرب جولاته على عدد من الكتل المختلفة ليحصد تواقيع عدد من النواب، فيأخذ الاقتراح مساره التشريعي المطلوب.

وحتى الساعة، يبدو أن عددا من الكتل يرحب بنص الاقتراح، وبعضها الآخر تنتظر الاطلاع على نصه، علما أن حرب كان قد أشار إلى "دعم أكثر من 80 نائبًا عبر المواقف الإيجابية التي تلقاها من كتل نيابية مختلفة لهذه الفكرة، مع التشديد على أن هناك اختبارًا حقيقيًا اليوم أمام سائر الأفرقاء في السياسة للانضمام إلى هذه الجهود، ولاسيما التعاون مع أحزاب مثل المرده والتيار الوطني الحر وحتى حزب الله".

فهل يشكل هذا الاقتراح مخرجا فعليا للحل؟

في الأسباب الموجبة، إشارة إلى "الحاجة الملحة والسريعة لمطار القليعات، لارتباط الأمر بالسلامة العامة للبنانيين عند استعمالهم مطار رفيق الحريري الدولي للتنقل من لبنان وإليه".

لا شك في أن التهديدات الحالية اليوم تضاعف الحاجة إلى هذا الاقتراح، بالإضافة إلى أن البعض لا يزال يذكر الانتهاكات العديدة للسلامة العامة التي تعرض لها عدد من الركاب في فترة سابقة، عبر الرصاص الذي أصاب إحدى الطائرات في مطار بيروت.

كل ذلك يطرح مجددا مسألة مطار ثان، فهل يفي النواب بوعودهم ويقدمون الاقتراح إلى مجلس النواب؟ والأهم، هل يصوتون عليه؟

تاريخ... وانتخاب

في تاريخ لبنان، لا يزال مطار القليعات يسجد محطات مهمة. فقد أنشأته عام 1941 "قوات التحالف"، وعام 1966 تولى الجيش اللبناني تطويره حتى يكون قاعدة عسكرية في المنطقة.

وإلى جانب وجهته العسكرية، كان له دور سياسي ذو رمزية كبرى، إذ شهد على انتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض رئيسا للجمهورية عام 1989، أي بعد اتفاق الطائف، ولهذا السبب سمي "مطار الشهيد رينيه معوض".

اقتصاديا، يساعده طابعه الجغرافي ببعد استراتيجي مناطقي حيوي، لكونه قريبا من الحدود اللبنانية - السورية، ويقع في منطقة سهل عكار، ويبعد قليلا عن طرابلس ونسبيا عن العاصمة بيروت.

كل هذه العوامل ترفع نسبة جدواه الاقتصادية لأبناء الشمال أولا، وللبنانيين عموما. والدليل أن مطار القليعات عمل "بنجاح" بين عامي 1989 و1991، حين كانت الطرق متقطعة الأوصال بفعل النيران والقذائف.

من حيث المبدأ، ينبغي أن يكون مطار القليعات ومطار بيروت في منزلة وطنية واحدة، لا أن يكون مطلبا للبعض وموقفا اعتراضيا للبعض الآخر. فهو من المسائل التي لا تحتمل ذلك الانقسام إذا كنا فعلا في دولة وبلد مؤسسات. فهل يكون النواب قريبا أمام اختبار جديد؟ أم أن ثمة "فرزا انشطاريا" سيبرز ويؤكد أن "فئة لبنانية" لا تريد فعلا تشغيل مطار القليعات؟!

إلى أن تحين "لحظة الهبوط"، لا يزال مطار القليعات تحت ضغط المطبات السياسية والتقنية!