معضلة القروض المصرفية تراوح مكانها... والأمل بـ"الاسكان"؟

لا تزال معضلة توقّف التسليف تراوح مكانها، والقروض والتسليفات خارج الخدمة، فيما المصارف تنتظر الدولة والمجلس النيابي لإقرار مشاريع القوانين الإصلاحية الموعودة بها. وتاليا ليس على اللبناني الذي يتوق إلى امتلاك بيت أو سيارة، أو يحتاج إلى تمويل أيّ من طموحاته الجامعية أو الإستثمارية، إلا انتظار حلول الروح في التشريعات المنتظرة، علّ ما بقي من سيولة في خزائن بقايا المصارف، تعيد الروح إلى سوق الإقتراض والتسليف، وتعيد تحريك مياه الاقتصاد الراكدة.


تعكس الارقام التي ينشرها مصرف لبنان فصليا عن القروض المستخدمة من مؤسسات القطاع الخاص، تفاصيل التسليفات التي تُمنح لكل مكون من مكونات القطاع الخاص والتي كان آخرها عن الفصل الثالث من العام 2023. هذه الارقام لم تلحظ اي ارتفاع في التسليفات المصرفية بل عكست تراجعا حادا في محفظة التسليفات للقطاع الخاص منذ اندلاع الازمة الاقتصادية في لبنان. فالقروض المصرفية للقطاع الخاص التي بلغت في نهاية عام 2018 نحو 58 مليار دولار، تراجعت الى 7 مليارات دولار نهاية آذار الماضي. وتبين الارقام ان ثمة هبوطاً بـ34 ملياراً و200 مليون دولار منذ بداية سنة 2019، اي بتراجع نحو 83% في التسليفات المصرفية بالدولار. كما اظهرت تراجعا بقيمة 17 تريليون ليرة، اي هبوطاً بنسبة 61% في التسليفات المصرفية بالليرة اللبنانية منذ بداية سنة 2019. هذا التراجع عزاه الخبير الاقتصادي والمالي نسيب غبريل الى اسباب عدة، ابرزها ان الكثير من المؤسسات والشركات التي اقترضت من المصارف بالدولار الاميركي سددت قروضها بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة او عبر شيكات بالدولار قيمتها الفعلية اقل بكثير من قيمة القرض. كما صدر بعد انفجار 4 آب تعميم عن مصرف لبنان يسمح للمواطنين الذين اقترضوا بالدولار قروضاً شخصية لاغراض الاستهلاك والسكن وغيرها بسدادها بالليرة اللبنانية شرط ألا تتجاوز قيمة القرض الـ 800 الف دولار، اضافة الى قرارات قضائية ناقضت بعضها البعض وشجعت الشركات على سداد القروض إما بالليرة وإما بشيكات. ومن الاسباب الاخرى لتقلّص حجم محفظة القروض الى القطاع الخاص عدم قدرة المصارف على التسليف نظراً لشحّ السيولة بالعملات الاجنبية لديها، وعدم وجود مناخ اصلاحي مؤاتٍ في البلد، وارتفاع مستوى المخاطر السياسية.


هذا الانخفاض يشكل، بحسب غبريل، خسارة للمودعين على اعتبار ان تسليفات القطاع الخاص تأتي من ودائع الناس، فدوائر ادارة السيولة والمخاطر في المصارف تُقدّر عوائد التسليف وفق العملة والمهلة الزمنية التي سلفتها على اساسها، وما حصل من سداد على سعر 1500 ليرة أضر بالمصارف وتاليا بالمودعين، خصوصا ان المقترض لم يسدد فعليا سوى جزء زهيد مما اقترضه، وهذا ما سمّاه صندوق النقد الدولي في تقريره المُفصّل عن لبنان الذي صدر في حزيران 2023 "اعادة توزيع الثروة من المودع الى المقترض". ويضيف غبريل "ان نظريات اعادة توزيع الثروات كانت تُطَبّق في خمسينات وستينات القرن الماضي في الانظمة الشمولية وهي لا تصلح للاقتصاد اللبناني."


وفي الحديث عن كيفية اعادة إحياء القروض للقطاع الخاص يقول غبريل: "المصارف بحاجة اولا الى سيولة، وثانيا الى ضمانات بأن يسدِّد المقترض القرض بنفس العملة التي يقترض بها، وهذا ما لحظته آخر مادة في مشروع القانون المتعلق بمعالجة اوضاع المصارف في لبنان واعادة تنظيمها والذي تاريخه 8 شباط 2024. لكن هذه المادة كانت عبارة عن جملة واحدة بينما الحاجة هي الى مشروع قانون منفصل عن مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف".

ويحض غبريل الشركات التي تطالب بالاقتراض من المصارف، على أن تطالب بدورها بوضع واقرار مشروع قانون يضمن سداد القروض بالعملات الاجنبية بنفس عملة القرض ونوعها. ويسأل: كيف يمكن المطالبة بتفعيل القروض المصرفية من جهة فيما سيولة وايرادات العديد من الشركات خارج لبنان؟ مضيفا أن مصدر التسليف شبه الوحيد للقطاع الخاص لعشرات الاعوام كانت المصارف التجارية. فالشركات اثبتت انها تفضل الاقتراض على اي مصدر آخر لتمويل عملياتها.


حبيب: طلبات الاسكان بدءا من أول حزيران؟
فيما يتعذر الحصول على قروض من المصارف التجارية، برز أمل جديد يتعلق بالقروض الاسكانية لذوي الدخل المحدود والمتوسط، من باب مصرف الاسكان. وينتظر أن يبدأ المصرف من 3 حزيران المقبل باستقبال طلبات المواطنين على موقعه الالكتروني للحصول على قروض (شراء، بناء أو ترميم منزل) أو قروض مخصصة للطاقة الشمسية، وفق ما يقول رئيس مجلس ادارة مصرف الاسكان لـ"النهار". وسيباشر المصرف بفرز الطلبات للتأكد من استيفائها للشروط، على ان يباشر بدءا من أول تموز بدفع المبالغ للمستفيدين. ويوضح حبيب ان "الاتفاق مع الصندوق العربي يقضي بأن يخصص الاخير نحو 50 مليون دينار كويتي بمعدل 10 ملايين دينار كويتي سنويا" (5 ملايين دينار في آخر حزيران و5 ملايين في آخر كانون الاول).

ويؤكد ان لا معوقات في التنفيذ، خصوصا ان "التحضيرات اللوجستية مع الصندوق أنجِزت وفق الاتفاق الذي ينص على اعطاء القروض لذوي الدخل المحدود والمتوسط ومن بينهم ذوو الاحتياجات الخاصة، على امل أن يخصص حصة أكبر لهؤلاء في القروض المفترض ان نحصل عليها لاحقا".