مقاتلون من سوريا والشرق الأوسط.. ماذا وراء ضوء بوتين الأخضر؟

أعطى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين الضوء الأخضر لـ"مساعدة" 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط وسوريا في الوصول إلى أوكرانيا للمشاركة في القتال الجاري هناك، وبحسب وزير دفاعه، سيرغي شويغو فإن هؤلاء "طلبوا من الحكومة الروسية السماح لهم بالوصول إلى منطقة دونباس".

وأضاف شويغو خلال اجتماع للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي الجمعة: "نتلقى أعدادا هائلة من طلبات المتطوعين من دول مختلفة، حيث يرغبون في التوجه إلى جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين بغية المشاركة فيما يعتبرونه حركة تحرير".

وبعد هذه الكلمات أعلن الكرملين أنه "سيُسمح للمقاتلين من سوريا ودول الشرق الأوسط القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا"، في قرار رد عليه الرئيس الأوكراني، فولودومير زيلينسكي بالقول: "روسيا ترسل مرتزقة سوريين إلى بلادنا، هؤلاء لا يعرفون حتى الفرق بين اللغة الروسية والأوكرانية، ولا يعرفون الفروق بين كنائسنا. سنواصل الدفاع عن بلادنا ضد كل من يعتدي عليها".

وتثير هذه الموافقة من جانب بوتين عدة تساؤلات عن الهدف والغاية من الإعلان عنها في الوقت الحالي، وعما إذا كان ذلك سيطبق بالفعل على الأراضي الأوكرانية، لاسيما مع اشتداد المعارك على جبهات العاصمة كييف ومدينة ماريوبول الساحلية.

"تقييم أميركي سابق"
وكانت عدة تقارير غربية ومحلية سورية قد كشفت، في الأيام الماضية، عن "قوائم أسماء" يتم تجهيزها في سوريا، لعدد من المقاتلين الراغبين بالقتال إلى جانب القوات الروسية في سوريا.

ومن بين هذه التقرير ما تحدثت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" بقولها نقلا عن أربعة مسؤولين أميركيين إن "تقييما أميركيا خلص إلى أن روسيا، المتواجدة عسكريا في سوريا منذ عام 2015، جندت مؤخرا مقاتلين سوريين، على أمل أن تساعد خبراتهم في القتال في المناطق الحضرية في السيطرة على العاصمة كييف، وتوجيه ضربة مدمرة للحكومة الأوكرانية".

بدوره قال مسؤول أميركي لقناة "الحرة"، في السابع من مارس الحالي، إن "الروس يجندون سوريين، ولكن لا نستطيع تأكيد وجودهم داخل أوكرانيا حتى الآن".

وهذه المعلومات أكدتها منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" الحقوقية، بالإضافة إلى موقع "عنب بلدي" الذي تحدث الخميس عن تسجيل قوائم بأسماء المقاتلين في مدينة حلب للقتال في أوكرانيا.

فيما أشار موقع "صوت العاصمة" في سوريا إلى أن تسجيل الأسماء يشمل أيضا مناطق في جنوبي دمشق، قائلا إن "عملية تنظيم القوائم تجري بإشراف المدعو أبو هاني شموط، قائد فصيل لواء العهدة العمرية المعارض سابقا، والمترجم الخاص للروس في المنطقة".

ما حقيقة التجنيد؟
ولا توجد أي تأكيدات رسمية من جانب النظام السوري بشأن قضية المقاتلين السوريين الراغبين بالقتال في أوكرانيا، وهو الذي أبدى دعما غير محدود منذ الأيام الأولى للغزو الروسي، بينما ذهب في منحى آخر لتنظيم مسيرات مؤيدة لذلك في مختلف المحافظات السورية.

ولاقت هذه المسيرات ترويجا كبيرا على وسائل الإعلام الروسية، على مدى اليومين الماضيين.

واستطلعت القناة التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية، يومي الأربعاء والخميس، آراء جنود في الجيش السوري وسوريين آخرين يقيمون في مناطق النظام السوري، حيث أبدوا دعمهم للغزو، وقالوا إنهم يرغبون للقتال إلى جانب الجيش الروسي، بحسب مقاطع مصورة نشرت على الموقع الرسمي لها.

ولا يستبعد الباحث السوري في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان التقارير التي تتحدث عن نية مقاتلين سوريين للذهاب إلى أوكرانيا، لكنه يشير إلى أن هذا الأمر يجب تقسيمه على "نوعين".

ويقول شعبان لموقع "الحرة": "حتى الآن لا يوجد شيء اسمه تجنيد، بل هناك مكاتب تسجيل قوائم أسماء محددة من المقاتلين".

ينقسم هؤلاء المقاتلون على أطراف تعمل مع شركات روسية خاصة كفاغنر و"فيغاسي" بعقود طويلة الأجل.

ويوضح شعبان: "عقودهم ماتزال سارية، وبالتالي لا يستبعد إرسالهم في الأيام المقبلة، وقد يكونوا قد ذهبوا بالفعل، لأن الخيار ليس بيدهم بل لما وقعوا عليه".

أما القسم الآخر فهم مقاتلين انتهت عقودهم المخصصة للقتال في جبهات أخرى، كليبيا مثلا، ويرغبون الآن بتجديدها، لكن لا يوجد إلا جبهة واحدة.

ويشير شعبان إلى أن "النقطة الأساسية والهامة هي أن الجانب الروسي ليس بحاجة لمقاتلين من الخارج.. الفكرة قد ترتبط بترويج إعلامي أكبر، وقد يكون الأمر يتعلق بمناكفة الغرب وأوكرانيا على نحو أكبر".

وتحدث الباحث السوري أن هذه الخطوة التي أعلنت موسكو نيتها في تنفيذها "ستكون قانونية" لاسيما أنها تتم عبر شركات خاصة من جهة، ومع تأطيرها من جانب الدفاع الروسية ضمن سياق "التطوع بدون المال"، من جهة أخرى.

"رد على فتح الباب"
في غضون ذلك اعتبر باحثون في العلاقات الدولية أن الخطوة التي أعلن عنها بوتين الجمعة قد تكون "ردا على ما اتجهت إليه الدول الغربية"، مؤخرا.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال، الأسبوع الماضي، إن 16 ألف أجنبي تطوعوا للقتال من أجل أوكرانيا، كجزء مما وصفه بـ "الفيلق الدولي"، وهو ما أيدته أيضا دول غربية ودعت إليه.

ويقول الدكتور باسل الحاج جاسم وهو مستشار سياسي وباحث في العلاقات الروسية والأوروبية: "قد تكون موافقة بوتين على مساعدة مقاتلين للوصول إلى أوكرانيا في إطار الرد على خطوة الطرف المقابل، عندما فتح الباب، وسهّل وصول مقاتلين أجانب للقتال ضد روسيا".

ويشير ما سبق إلى أن الحرب مستمرة، ويوضح الباحث لموقع "الحرة": "لكنها قد تدخل مرحلة جديدة، لاسيما مع اقتراب إطباق روسيا الحصار على معظم المدن الأوكرانية، بما فيها العاصمة كييف".

ويضيف الحاج جاسم: "عنوان المرحلة سيكون مرحلة حرب شوارع بامتياز، وذلك في حال قررت روسيا اقتحام المدن، ولم تتشكل قبل ذلك حكومة أوكرانية موالية لها".

من جهته يرى المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر أنه "لن يتم تنفيذ" الخطوة التي أعلنت عنها الدفاع الروسية، ووافق عليها بوتين.

ويقول لموقع "الحرة" إن "ذلك لأن العملية العسكرية الخاصة تم التحضير لها بشكل دقيق وجدي، وتم تأمين كل ما يلزم لها من عتاد وقوات بشرية تؤمن تحقيق الهدف 100 بالمئة".

أما في حال وصل من وصفتهم موسكو بـ"المتطوعين"، يضيف الشاعر: "هم سيساعدون سكان المناطق، وليس القوات الروسية الخاصة أبدا. ستوكل لهم مهام من قبل السلطات المحلية في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. هذا المقصود من موافقة بوتين وليس غير ذلك".

ماذا يجري على الأرض؟
وفي الوقت الحالي وبعد مرور أسبوعين على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا تشير التقديرات الغربية والأميركية إلى أن الجيش الروسي "لم يحقق أهدافه" على الأرض حتى الآن.

ولذلك اتجه خلال الأيام القليلة الماضية لتصعيد ضرباته الجوية والبرية، وبالأخص على العاصمة كييف ومحيطها، وعلى مدينة ماريوبل الساحلية، وذات الأهمية "الاستراتيجية"، بحسب ما تصفها صحيفة "وول ستريت جورنال".

الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، العميد خالد حمادة يقول إنه "لا يمكن قراءة موضوع استقدام مقاتلين من خارج الاتحاد الروسي للقتال في أوكرانيا من خارج المعطيات التي يقدمها الميدان، وتحديدا التغييرات التي طرأت على الخطة الروسية، منذ بدء الهجوم وحتى الآن".

ويتضح من خلال الوضع الميداني، بحسب حمادة إلى أن "العمليات ستقف عند النهر الذي يمر بأوكرانيا من الشمال مرورا بكييف وإلى الجنوب. هذا يعني أننا نتكلم على بقعة عمليات تتراوح ما بين 200 إلى 250 ألف كيلومتر مربع".

ويوضح الخبير العسكري في حديث لموقع "الحرة" أن "طبيعة العمليات الروسية بعد تأمين السيطرة الجوية وتدمير الدفاعات الأوكرانية ذهبت إلى تطويق المدن وإفراغها من السكان، والبدء بدخولها تباعها وفقا لتوفر العناصر والبيئة النموذجية لذلك".

"خيارات مطروحة"
ولقد سبق أن اعتمدت موسكو على عناصر مرتزقة للعمليات العسكرية التي دعمتها أولا في سوريا، ومؤخرا في ليبيا، وجبهات أخرى.

لكن الميدان الأوكراني لديه مميزاته واختلافاته، وهو ما يفترض مقاربات مختلفة.

وعلى الرغم من الموافقة على استقدام عناصر للقتال، إلا أن الهجوم على أوكرانيا نفذته وحدات "عسكرية محترفة" لتحقيق "أهداف حددت مسبقا".

وقال الرئيس بوتين في الثامن من مارس الجاري: "أؤكد أن المجندين لا يشاركون في الأعمال القتالية ولن يشاركوا فيها. ولن تكون هناك تعبئة إضافية لجنود الاحتياط".

ويوضح الخبير العسكري حمادة أن "هناك خيارات مطروحة أمام تطور الصراع الذي قد يأخذ شكلا أكثر عنفا عند حصول تدخل عسكري غير محسوب، أو قد يستمر بوتيرة هادئة بهدف توفير الظروف المواتية لدخول المدن".

ويؤكد حمادة أن المساحة التي تستهدفها العمليات الروسية في أوكرانيا "لا يمكن لأي جيش في العالم أن ينتشر فيها لتغطيتها".

ويقول: "أعتقد أنه ربما يتم استقدام المتطوعين من الخارج للانتشار في المناطق والمساحات المفتوحة بين المدن. أو لسد الثغرات بين وحدات الجيش أو كإسناد لوجستي في الخطوط الخلفية أو لدعم عمليات الإخلاء الطبي".

وهذا الأمر "سيخفف أعباءً على الجيش الروسي، وفي ذات الوقت ستتفرغ القوات الروسية لمناطق أخرى لإعطاء زخم للعمليات النوعية التي تقودها"، وفق حمادة.

وتحدث الخبير العسكري عن "مجال مفتوح لاستقدام المقاتلين"، مضيفا: "هناك تطويع دائم في الفيلق الخامس في الجنوب السوري بالأخص. ربما يتم نقل عناصر منه مع مغريات مادية".

ولم يستبعد حمادة أيضا أن يتم استقدام ميليشيات أخرى من مناطق شرق آسيا، "مثل العناصر الذين اختبرتهم موسكو وتحالفوا معها في أفغانستان. وربما قد تستقدم آخرين من ليبيا"، ولكن في كل الحالات لن يشكل استقدام "المرتزق" أي إضافة نوعية للقدرات الروسية.