ملفّ النزوح يعيد لبنان إلى سوريا

منذ زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبيروت وإعلانها المثير عن تقديم دعم مالي بقيمة مليار يورو يمتد من السنة الجارية حتى سنة 2027، يستأثر هذا الإعلان بالاهتمام السياسي والإعلامي، في مسعى لفهم فحوى المحادثات التي أجراها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع المسؤولة الأوروبية، والالتزامات التي يمكن أن يكون تعهد بها في مقابل هذا الدعم، في ظل غموض تام أحاط بالمحادثات وبلائحة المشاريع والبرامج المستفيدة من الدعم، والقطاعات المستهدفة، التي ينتظر أن تتبلور في كلمة ميقاتي أمام النواب اليوم، وهي كلمة ستتناول الرد على كل التساؤلات، ولن تكون صدامية كما أوضحت مصادره.

وفيما كان يعوّل على أن تشكل الجلسة العامة المنعقدة اليوم مساحة لحسم الجدل الدائر في هذا الشأن، جاء الإعلان عن عدم ترؤس ميقاتي وفد لبنان إلى مؤتمر بروكسيل "لدعم مستقبل سوريا والمنطقة"، معطوفاً على كتاب وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الذي سيترأس الوفد، إلى نظيره السوري فيصل المقداد ليصب الزيت على النار، نظراً إلى الالتباس الذي أثاره تراجع ميقاتي وموقف بو حبيب المتناغم مع الموقف السوري الذي يعتبر أن المؤتمر يشكل منصّة للهجوم على سوريا، حيث يرفض تغييبها عن المؤتمر، ويطالب بدعوتها، بحيث فُهم أن هذا التراجع معطوفاً على الموقف الرسمي الذي عبّر عنه وزير الخارجية يعبران عن تضامن لبناني مع النظام السوري، ورفض واضح لتغييبه عن المشاركة في مؤتمر يتعلق بمستقبل بلاده. أوساط السرايا قللت من صدقية هذه القراءة للموقف اللبناني وامتناع ميقاتي عن ترؤس الوفد، كاشفة أن هذا القرار جاء في أعقاب اجتماع رئيس الوزراء مع سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال التي أبلغته أن التمثيل الرسمي في المؤتمر لن يكون على مستوى رؤساء دولة أو حكومة، بل على مستوى وزاري، ذلك أن دعوة ميقاتي جاءت على مستوى شخصي نظراً إلى أن لبنان معنيّ مباشرة بالملف السوري. ولذا، قرر تكليف وزير الخارجية، وقد أبلغ رئيس المجلس بهذا القرار. والرواية الرسمية لأوساط ميقاتي تدحض الرواية القائلة بأن قرار تكليف بو حبيب جاء بعد ضغط سوري وتشاور بين قيادتي ثنائي "أمل-حزب الله".

وبقطع النظر عن الرواية الأصح في الموضوع، التي سيثبتها مستوى التمثيل في المؤتمر لدى انعقاده، فإن أهميته تكمن في النتائج التي يرتّبها على صعيد العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي من جهة ومع دمشق من جهة أخرى. ذلك أن دعم لبنان للموقف السوري، الذي عبّر عنه بوضوح تام كتاب بو حبيب إلى المقداد يشير إلى أن السلطة القائمة اليوم قررت المضيّ في قرار الانفتاح على دمشق من خلال تفعيل قنوات التواصل القائمة أساساً ولكن ببرودة، وتوسيع مجالات التنسيق في ملف النازحين، وهو الأمر الذي أشار إليه بو حبيب في الكتاب عندما كشف أن لبنان "بادر إلى التحاور مع الحكومة السورية في مسألة النزوح ولاقى تجاوباً، وسيحاول بالتنسيق مع سوريا والمجتمع الدولي وضع خطة شاملة وإجراءات عملية تكون كفيلة بتأمين عودة النازحين". ولا يستبعد بعد هذا الإعلان أن تشهد القمة العربية المنعقدة في البحرين والتي يشارك فيها ميقاتي لقاءً مع مسؤولين سوريين يتوّج الاتصالات الثنائية والجانبية القائمة. ويدرك لبنان أن لا سبيل إلى معالجة ملف النزوح من خارج التواصل مع سوريا، خصوصاً في المجال التقني واللوجستي والأمني الذي يجري اليوم عبر الأمن العام. لكن الأوساط الحكومية لا تستبعد رفع مستوى التواصل والقيام بزيارات متبادلة إذا تطلب الأمر ذلك، انطلاقاً من قرار الانفتاح المتخذ سابقاً.

لكن السؤال: هل سيؤثر الموقف اللبناني على العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي والدعم المالي المرصود له للسنوات الأربع، خصوصاً أن الاتحاد لا يزال على مقاربته للملف السوري والعلاقة مع النظام، وعبّر عن ذلك بعدم دعوة الحكومة السورية إلى المشاركة في مؤتمر يخصّ بلادها؟

عن هذا السؤال تجيب مصادر سياسية مطلعة أن الدول الأوروبية منقسمة في ما بينها حيال الموقف من سوريا، بين من لا يزال متمسكاً بمقاطعة النظام وبين من يتطلع إلى مقاربة مختلفة تدعو إلى استعادة التواصل وعدم انتظار الحل السياسي من أجل مواجهة النزوح. أما بالنسبة إلى لبنان، فهناك حد أدنى من التفهم لموقفه. ولا تستبعد المصادر أن تأتي التوصية المرتقبة من الجلسة النيابية اليوم، بمثابة مقدمة أو مفتاح لفتح الباب أمام عودة التواصل مع الجانب السوري.