ملف سلامة ومتاهة الهيئة الاتهامية: القضاء "الموقوف"

بعد شهرين على انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، ومع استمرار ألاعيبه القانونية داخل ملعب القضاء اللبناني، قد يبدو للمواطن اللبناني، الذي يسعى لتحرير وديعته المحتجزة، أن ملف سلامة القضائي قد جُمّد. والحاكم السابق لن يلاحق ولن يعاقب، وربما سيتجاهل القضاء جميع التهم التي نُسبت إليه، وكأن شيئًا لم يكن. لكن، التعقيدات التي سيطرت على الملف، قد تنتهي في شهر تشرين الثاني المقبل، بشروط محددة.

المسار المقبل
بالعودة إلى العاشر من آب الماضي، فإن ملف سلامة أدخل في الثلاجة القضائية بعدما ادعت الدولة اللبنانية على الدولة، أي بعد أن خاصمت ممثلة الدولة اللبنانية، القاضية هيلانا اسكندر، قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، فكفت يده عن الملف، ومنعته من متابعة تحقيقاته، حين كان من المفترض أن يستكمل جلسات الاستجواب في اليوم التالي مع المساعدة المصرفية ماريان الحويك، وشقيق الحاكم السابق، صاحب شركة فوري "الوهمية"، رجا سلامة.

النقطة المفصلية في تغيير مسار الملف وإدخاله بنفق المماطلة، كانت بفرض الهيئة الاتهامية سيطرتها على ملف سلامة، وتحديد جلسات لاستجوابه، وذلك بعدما استنجدت اسكندر بقضاة الهيئة الاتهامية، إثر اعتراضها على "المحاباة" الموجودة بين القاضي أبو سمرا والمدعى عليه سلامة خلال جلسات استجوابه. وبعدها، تهرّب سلامة من جلسات الهيئة الاتهامية واختفى، وانتهى الأمر بمخاصمته لجميع القضاة في الهيئة الاتهامية، فرفع يد الجميع عن قضيته، وبات الملف بحاجة ملحة وضرورية إلى قاض آخر لمتابعته.

هذه التفاصيل، كانت كفيلة بتأجيج الخلاف بين القضاة. فمنهم من اعتبر بإن الهيئة الاتهامية تخطت صلاحياتها، ولا يحق لها الدخول في هذا الملف وسحبه من مكتب القاضي أبو سمرا، فحُمّلت القاضية اسكندر المسؤولية الكبرى بتجميد الملف. ومنهم من رأى بأن "الاهتمام المفرط بسلامة خلال الاستجواب يجب أن يتوقف بأي طريقة، ويجب إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه فورًا".

وما يجب ذكره، أن القاضي أبو سمرا سيحال على التقاعد في التاسع من تشرين الثاني المقبل. يعني هذا أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، يتوجب عليه تعيين قاض آخر خلال الأسابيع المقبلة. هذا، وقد رجحت مصادر قضائية أن القاضي فؤاد مراد سيكون بديلًا عن أبو سمرا. بيد أن هذا الاسم قد يتغير في حال قرّر رزق الله تعيين قاض آخر لأسباب غير معروفة.

آراء قضائية
أخطر ما في هذا الأمر، أن المصادر القضائية الرفيعة أكدت بأن ملف سلامة لن يُحرك أبدًا، حتى مع تعيين قاضي تحقيق آخر، والحل الأساسي هو تحرير الملف والتخلص من العراقيل الموجودة داخل الهيئة الاتهامية. ووفقًا لمصدر قضائي بارز في حديث لـ"المدن"، فإن الحل الوحيد يكمن في تراجع الهيئة الاتهامية عن الإجراءات التي اتخذتها في هذا الملف، وإعادة وضعه داخل غرفة قاضي التحقيق الأول، ليتمكن من متابعة هذا الملف في تشرين الثاني.

في المقابل، يشرح مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" الأسباب التي دفعت بالقاضية اسكندر لمخاصمة أبو سمرا، فيقول: "إن التعاطي مع سلامة كان فاضحًا، حيث جرى التعامل معه كحالة استثنائية لا تتكرر، وطرحت الأسئلة عليه بعناية ودقة، وظهرت المحاباة بينهما بشكل لافت، وهي سابقة لم تحصل قط"!

لذلك، كان هدف مخاصمة اسكندر لأبو سمرا رفع يده عن الملف بشكل نهائي، وتجميد الملف لفترة محددة فقط، أي لشهر تشرين الثاني، لأن أبو سمرا سيحال على التقاعد آنذاك ويعين قاض آخر.

في السياق نفسه، يرى مصدر قضائي بارز بأن ملف سلامة ساهم في تأجيج الخلاف بين القضاة أنفسهم داخل الهيئة الاتهامية، ومن الضروري اليوم تحرير الملف من الهيئة الاتهامية، لأن لعبة "مخاصمة القضاة" قد تستمر طويلًا، حتى وإن تشكلت هيئة اتهامية جديدة. هذه اللعبة القانونية لن تنتهي بسهولة وقد تستمر لسنوات طويلة من دون أن يتقدم الملف خطوة واحدة. سيما أن تعاطي الهيئة الاتهامية مع ملف سلامة طرح تساؤلات عديدة في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد تسهيلهم تمرير ألاعيب سلامة القانونية وعدم إصدار مذكرة توقيف بحقه.

ما ذكرناه هو عينة مصغرة عن الخلافات التي تحصل داخل القضاء اللبناني بسبب الملفات السياسية، ولا شك أن حساسية ملف الملاحق دوليًا رياض سلامة ستكون مشابهة لتلك الموجودة في ملف تفجير المرفأ. وما نأمله اليوم أن تعود الحياة إلى هذا الملف في تشرين الثاني كي يعاقب ويلاحق كل متورط في نهب المال العام وتفقير المواطنين.