منح المتفوقين في الثانوية العامة: قل لي أين تسكن أقل لك أين تتعلم!

للمرة الأولى منذ 20 عاماً، يجد المجلس الوطني للبحوث العلمية نفسه معنياً بتغطية تعليم47 طالباً، ضمن برنامج «منح متفوقي الثانوية العامة»، الذي التزم تطبيقه منذ العام الدراسي 2001 - 2002. الرقم بدا مباغتاً للمجلس في ظل غياب الاعتمادات المالية، لا سيما أن مجموع الخمسة الأوائل في كل فرع من فروع الشهادة: العلوم العامة، علوم الحياة، الآداب والإنسانيات والاجتماع والاقتصاد، والذين يغطيهم البرنامج، لم يكن يتجاوز في السابق 30 طالباً، في أقصى حالاته. يومها، كانت الجامعات الـ16 المتعاقدة مع المجلس تتنافس على استقطاب المتفوقين وتوفير الدراسة الجامعية المجانية لهم، مع تقديم بعضها منحة شخصية للطالب تصل إلى 600 دولار شهرياً. بل إن الإدارات الجامعية لم تكن تتردد في ذلك الحين في طلب الدعم من جهات ومؤسسات خارجية خصيصاً لمتابعة تعليم طلاب يضيفون الكثير إلى رصيدها التعليمي.

 

اليوم، الإمكانات لم تعد هي نفسها لدى مجلس البحوث والجامعات على السواء، بحسب الأمين العام للمجلس معين حمزة، وإن بدا راضياً عن النتيجة، لجهة أن الصعوبات المستجدة لم تفرمل البرنامج، وأن الجهود الاستثنائية مع الإدارات الجامعية، أدت إلى إبداء الأخيرة استعدادها لتغطية كامل القسط في مرحلة الليسانس أو البكالوريوس في كل الاختصاصات، في وقت لم يعد المجلس قادراً، كما في السابق، على المساهمة في هذا القسط بميزانيته التي لا تتجاوز مليار و100 مليون ليرة وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة مقابل الدولار». وبينما لم تلتزم الجامعات الاستمرار في إعطاء المنحة الشخصية، فإن التفاوض مع وزارة المال صب في اتجاه دفع مساهمة الوزارة في موازنة المجلس لتغطية كلفة تعليم الطلاب في السنوات السابقة بالدرجة الأولى، إضافة إلى «أننا استطعنا أن نرفع قيمة المبلغ الذي نعطيه للطلاب بعد السنة الثالثة الجامعية من 10 ملايين ليرة (كانت توازي 7 آلاف دولار) إلى 20 مليوناً (5 آلاف دولار وفق سعر 3900 ليرة الذي باتت تعتمده معظم الجامعات)، فيما الفارق يغطيه الطالب من حسابه الشخصي».


حمزة حرص على التأكيد أن «البرنامج يحتضن طلاباً متميزين ويمنحهم فرصة اختيار جامعات لا يحلمون بدخولها، بالنظر إلى أقساطها التي تتجاوز إمكاناتهم المادية، من دون أن يكون هناك أي فيتو على أي جامعة». اختيار الطلاب، كما قال، «لا يكون استنسابياً ولا يراعي أية محسوبيات لدى أية جهة رسمية أو خاصة، بل يأتي ببساطة بناء على ترتيب المتفوقين في لوائح النتائج الرسمية لوزارة التربية».

 

مع ذلك، بدا أن الحرية الممنوحة للمتفوقين في اختيار الجامعة التي يريدونها والاختصاص الذي يرغبون في دراسته باتت تصطدم بعقبات مستجدة مثل كلفة الانتقال والسكن، كأن تفضل، الأولى في فرع الاجتماع والاقتصاد، رفقا إبراهيم، دراسة الصحافة في جامعة البلمند القريبة من منزلها في الكورة، على تحمل أعباء النزول إلى الجامعات في بيروت واضطرارها لاستئجار سكن طلابي. وللأسباب نفسها، اختارت الثانية في الفرع نفسه فاطمة همام دراسة الهندسة المعمارية في جامعة فينيسيا بعدما تلقت عرضاً بتكفل الجامعة بتغطية القسط ومصاريف النقل من منزلها البعيد نسبياً عن الجامعة. في المقابل، اقتنص الأول في علوم الحياة محمد حربي فرصة دراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، على خلفية اعتمادها النظام التعليمي الأميركي الذي يسمح له بالسفر إلى الخارج بعد مضي 3 سنوات، فيما لم يضع كلفة السكن والانتقال في حسابات الاختيار، طالما أن الجامعة وفرت عليه دفع القسط. أما الأولى في علوم الحياة، سارة المولى، فاختارت الجامعة اليسوعية التي تغطي كامل القسط حتى نهاية الاختصاص وليس للسنة الثالثة فقط.


اللافت أن 3 طلاب من أصل 47 قرروا استكمال تعليمهم في الخارج، بالتالي عدم تمكنهم من الحصول على منحة المجلس الوطني للبحوث العلمية. نادين الحاج شحادة، الأولى في اختصاص العلوم العامة، بمعدل 19.44 من 20 وجدت ضالتها في إحدى الجامعات الفرنسية المصنفة 13 في العالم، لدراسة دبلوم مزدوج في المعلوماتية والرياضيات، لاعتقادها بأن لبنان لن يوفر لها فرصة الإبداع في هذا المجال. وشكت من «عدم تغطية أي من تكاليف التعليم في الجامعة الفرنسية لمجرد أنني قررت الهجرة ولو بما يعادل المنحة التي تقدمها الجامعة اللبنانية للأوائل، كي أشعر بالقيمة المضافة لتفوقي».


يذكر أن نسبة الطالبات من مجموع الممنوحين لامست هذا العام 85 في المئة مقابل 15 في المئة للطلاب الذكور. بحسب حمزة، «هذه نتيجة غير مفاجئة، إذ مرت سنوات لم يكن من بين الممنوحين فيها طالب ذكر واحد». في المقابل، هي المرة الأولى التي تصل فيها نسبة الممنوحين من طلاب المدرسة الرسمية إلى 34 في المئة، فيما لم تتعد هذه النسبة يوماً الـ15 في المئة.