منصّات التواصل الاجتماعي.. إخلال باستقرار الأسرة خيانات زوجية وتعزيز للانعزالية

 

كما كل ما أنتجته التكنولوجيا، تحمل مواقع التواصل الاجتماعي وجهين من التأثيرات الإيجابية والسلبية التي غيّرت من حياة الناس وسلوكياتهم. وفيما أصبحت هذه التكنولوجيا أقوى من أن تُراقب، حملت سلبيات عديدة على رأسها زعزعة استقرار الأسرة، بعدما بات كل فرد منها يستخدم جوالاً خاصاً به يتصفّح من خلاله هذه المنصات.

ما التداعيات السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي على استقرار الأسرة؟

نحن البشر بحاجة لأن نتواصل بعضنا مع بعض باستخدام جميع الطرق المباشرة وغير المباشرة. وتطوّر شكل التواصل عبر الفيديو والسمع، ما زاد من التواصل مع العالم الخارجي أكثر، وهذا أدّى بدوره إلى قفزة في إطار التعبير الشخصي، وأصبح العالم الافتراضي مكان تعبير الفرد لذاته لا أسرته، هذا ما يؤكّده منسّق مختبر الديموغرافيا في مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور شوقي عطية في حديثه لـ"النهار".

فالطفل عادة كان يتواصل مع رفاقه في المدرسة، وعندما يعود إلى المنزل، يقتصر تواصله مع أسرته. بينما الآن، أصبح التواصل طيلة اليوم وباستمرار مع الفضاء الخارجي لا مع الأسرة، وذلك ينعكس سلباً على الأسرة، لكن إيجاباً على العلاقات الخارجية، لكونه يشكّل تباعداً بين أفراد الأسرة الواحدة رغم وجودهم الجسدي بعضهم قرب بعض، بحسب عطية.

ويتعرّض الأطفال ما دون المراهقة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، لفضاء مجهول يضمّ متحرّشين ومنتحلي صفة وغيرهم من الأشخاص السيئين الذين يحملون غايات خطيرة. ويرى عطية أنّه كلّما زاد التواصل في الفضاء الخارجي، قلّت الثقة بين أفراد الأسرة.

وعلى صعيد الزوجين يفتح هذا الفضاء الباب إلى مشاكل زوجية هائلة لا تُحلّ إن لم تكن الثقة بين الزوجين موجودة. ويشدّد عطية على أنّه اليوم، إزاء هذا الواقع، "نحن لسنا في مجتمع رقابي، لذلك يجب بناء الثقة بين الأهل وأطفالهم، وبين جميع أفراد الأسرة، لتجنّب مخاطر هذه المنصات". لذا، يجب أن تنشأ التربية على الثقة بالدرجة الأولى، وعلى الصراحة والصدق بين الأهل وأطفالهم وبين الزوجين، دون إلغاء المراقبة غير المزعجة.

وينصح شوقي بتخصيص وقت للأسرة خلال اليوم، سواء في أوقات تناول الطعام أو ليلاً، لشدّ أواصر الأسرة وتعزيز العاطفة في ما بين أفرادها.

لمواقع التواصل الاجتماعي إيجابيات لكن سلبياتها على الأسرة واستقرارها، كبيرة وخطيرة، تؤكّد المعالِجة النفسية كارمن حريق في حديثها لـ"النهار".

وأصبحنا نشاهد اليوم جميع أفراد العائلة كلّ منهم في عالمه على جوّاله وباتت عدد كبير من الأمهات يتركن أولادهن يعبثون في المنزل بينما هنّ يتصفحن هذه المنصات. بالتالي، تمنع هذه المنصات الأمهات من أن يواكبن المراحل التي يمر بها أولادهن وأزواجهن، وتحرم العائلة من شدّ أواصرها.

كذلك، يصل الخطر إلى علاقة الزوجين وقد وصلت الأمور من جراء هذه المنصات إلى حالات طلاق وخيانات زوجية، ولا سيما مع المنصات التي توفر مغريات مادية مثل "تيك توك"، حيث يقع الأزواج ضحية الربح السهل مقابل القيام بسلوكيات غير مستحبة.

بذلك، "يتم اختراق الزوجين داخل منزلهما بهذه السلوكيات، ومع غياب الوعي الكافي، يدخل أحد الطرفين في دوامة لا يمكنه الخروج منها"، تقول حريق.

"ويؤدي استخدام هذه المنصات إلى الدخول بالتعلّق والإدمان، موفرة حالة من الرضى لمستخدميها ومتعة سريعة ترفع من هرمونات السعاة بسرعة، لكنّها متعة آنية وكاذبة، فمعظم المحتوى على هذه المنصات ليس حقيقياً والناس يسعدون بالكذب".

 

أمّا على مستوى الأطفال في الأسرة، فيشكّل الأهل مثالاً سيّئاً لهم بحيث يقضون وقتاً طويلاً على هذه المنصات. ويدخل المراهقون في متاهات مدمِّرة لشخصيتهم ومستقبلهم بسبب هذه المنصات، حيث يتعرّضون للتنمّر وللتهديد وللابتزاز.

وتشرح حريق أنّ تمضية الوقت على منصات التواصل تعزّز الوحدانية والانعزالية لدى أفراد الأسرة، وتجعلهم يمضون وقتاً طويلاً ما يؤدي إلى تغييب اللقاء الأسري الذي يوفّر للطفل الاستقرار.

فهذه المنصات تسحب من الفرد كلّ وقته وتنقله من العالم الحقيقي إلى عالم الخيال غير الصحي، وتبدأ بسلخه من داخل أسرته وتمنعه من أن يكون فعالاً فيها، ويصبح شخصاً منزوياً وغير معنيّ بمشاكل عائلته وأمورها كما يجب. فالمشاكل العائلية في كنف أي أسرة تتطلّب من جميع أفرادها أن يكونوا موجودين فكرياً وعاطفياً لحلّها، إذ تمنعهم من تشارك الأفكار والمشاكل. فإذا تعرّض فرد من الأسرة لأي مشكلة، فعادة لدى عرضها على أسرته، الجميع يشارك في طرح الحلول ويتناقشون.

كذلك يدفع استخدام هذه المنصات إلى تراجع العاطفة بين أفراد الأسرة ولم يعد الأطفال الإخوة مرتبطين عاطفياً بعضهم ببعض كما في السابق، مع غياب احتكاك الأخ بأخيه مباشرة سواء باللعب أو بمشاركة الأخبار والأحاديث. وأدّت إلى بُعد وجفاء أُسري، ما انعكس على سلوك الطفل خارج المنزل. بالتالي، أوجدت شرخاً داخل الأسرة الواحدة في غياب العاطفة الجامعة، وفق حريق.

كيف يمكن أن نشكّل مناعة ضد خطر المنصّات هذه؟

برأي حريق، يحتاج الأمر إلى التحلّي بالوعي الاجتماعي والفردي بالدرجة الأولى، في ظل تلاشي مفهوم العائلة ومفهوم الزوجين والقيم الاجتماعية. فللمحافظة على أي ثنائي وبناء أسرة سليمة، يجب معرفة الهدف من الزواج وماذا يريد الطرفان من العائلة.

وأحياناً، يحتاج الأمر إلى علاجات نفسية فردية أو ثنائية ليفهم كل فرد نفسه، ولا سيما إذا ما وقعت أي مشكلة ناتجة عن استخدام منصات التواصل، لتداركها قبل أن تتفاقم.

وترى حريق أنّه لا ينبغي تخصيص الطفل بهاتف إلّا بهدف. وتسمح النقاشات السليمة منذ عمر صغير مع الطفل، بإقناعه بوجهة نظر الأهل لأنه لا حاجة له بالهاتف إلّا في حالات غيابه عن ذويه مثلاً. من هنا، تتشكّل لديه ثقة بنفسه، ويقتنع بهذه الفكرة وينقلها لرفاقه في المدرسة، وقد يقتنعون بدورهم بسبب ثقته بنفسه.