من يفاوض صندوق النقد على شطب الودائع؟

على مدى أربعة أيام، يقوم وفد من صندوق النقد الدولي بجولة على المسؤولين اللبنانيين، بناءً على تمنٍّ من عدد من النواب الذي يزورون واشنطن من أجل حث السلطات اللبنانية على التحرك لمعالجة الوضعين المالي والمصرفي، وقد التقى حتى الآن رئيسي المجلس نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحاكم المصرف المركزي بالانابة وسيم منصوري، فضلاً عن لقاءات جانبية مع عدد من المصارف والاقتصاديين، على أن يختتم الوفد جولته بلقاء غير معلن مع مجموعة من الإعلاميين المعنيين بالشأن الاقتصادي.


تتضارب الآراء والقراءات حيال ما يحمله وفد الصندوق في مناقشاته مع اللبنانيين، بين من يرى أن الصندوق يسوّق لطروحات تؤدّي عملياً إلى شطب الودائع ما فوق الـ١٠٠ ألف دولار، وبين من يدحض هذه الطروحات، مؤكداً أن الصندوق لم تكن له أي مساهمة أو رأي في الصيغة الجديدة المعدلة لمشروع قانون هيكلة المصارف. فأين الحقيقة من هذه التناقضات، ومن يفاوض الصندوق اليوم وعلى ماذا للوصول إلى برنامج معه يفترض أن يوفر ٣ مليارات دولار إضافة إلى ختم الثقة الذي يفتح مجال الاقتراض أمام لبنان من الأسواق الدولية؟


وفيما يؤكد الفريق الاستشاري لرئيس الحكومة الذي يتولى التشاور مع الصندوق وإعداد صياغة المسودة النهائية التي ستُعرض على مجلس الوزراء لمشروع الهيكلة، أن مسألة شطب الودائع ليست مطروحة أبداً معتبراً أن هذا الكلام يفتقر إلى الحد الأدنى من المنطق، لا ينفي حقيقة أنه لم تعد هناك ودائع لشطبها أو إعادتها، في اعتراف واضح وصريح بأن الودائع لم تعد موجودة، وأن العمل الجاري اليوم هو لإعادة تكوينها لإتاحة المجال أمام إعادة ما يمكن إعادته منها. في أوساط هذا الفريق من يؤكد أن صيغة المشروع الذي يجري إعداده بناءً على ملاحظات الوزراء تمهيداً لعرضه مجدداً على مجلس الوزراء لدرسه وإقراره وإحالته إلى المجلس النيابي، يحافظ على المسلّمات التي أدرجت فيه في الأساس، لجهة إعطاء الضمانات حتى ١٠٠ ألف دولار، على أن تخضع الودائع التي تتجاوز هذا المبلغ لمجموعة من المعايير التي على أساسها يحدّد ما يمكن رده منها. أبرز هذه المعايير التي شارك في وضعها المصرف المركزي رغم نفيه، تصنيف الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة، مشروعة وغير مشروعة، شطب الفوائد المترتبة وفق هذه التصنيفات، إنشاء صندوق استرداد الودائع والالتزام باقتراح "zero coupon" المقترح في المشروع بصيغته الأولى.


حتى الآن، لا يزال النقاش في هذا الملف الدقيق والحيوي للبنانيين دون المستوى الذي يسمح بالوصول إلى النتائج المرجوّة منه في ظل التباينات القائمة وتقاذف المسؤوليات بين الجهات المعنية به، وتحديداً الدولة والمصرف المركزي والمصارف، قبل الوصول إلى دور صندوق النقد أو دور الدول الغربية التي كلفت سفاراتها التسويق له. في الوسط المصرفي امتعاض ومخاوف من أن تؤدي الحملات المركزة على القطاع بهدف تحميله المسؤولية الكاملة في هذا الشأن إلى ضياع حقوق المودعين بعدما وُضع هؤلاء في مواجهة مع المصارف، على نحو يتيح للدولة التنصّل من مسؤوليتها. وكل ذلك على خلفية أن الدولة عاجزة ومفلسة وغير قادرة على تحصيل مواردها وتحسين جبايتها. وفي هذه المقاربة، لا تعترف الدولة بمسؤوليتها في الاقتراض من أموال المودعين المودعة في المصرف المركزي.


بالنسبة إلى مصرفيين، بدأت تتبلور صورة مشروع القضاء على المصارف بهدف وضع اليد على البلد ومقدراته عبر البرنامج مع صندوق النقد الذي يأخذ البلد رهينة على مدى عقود من الآن. وعند هذا الحد، يرى مصرفيون أن على الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها وتمسك قرارها بيدها فتلتزم إعادة الأموال مهما استغرق ذلك. واللافت أن هذا الكلام يتقاطع مع ما صرّح به رئيس المجلس بعد لقائه وفد الصندوق عندما قال إن المدخل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي والنظام المالي يكون بضمان إعادة الودائع كاملة لأصحابها مهما تطلب ذلك من وقت!