نحو 2000 عنصر فارّ من القوى الأمنيّة فأيّ تصنيف قانوني لهم؟

ما يقارب ألفي عنصر هم بوضع الفارين من الأسلاك الأمنية كلها. هذا العدد التقريبي الذي تكشفه "الدولية للمعلومات" لـ"النهار".


وفق الباحث محمد شمس الدين، "لا رقم دقيقاً ومحدداً عن أعداد الفارين، من قوى الأمن الداخلي أو من الأسلاك الأمنية والعسكرية الأخرى".

ويؤكد لـ"النهار" أن "ما يُرمى من أرقام حول الـ7 آلاف عنصر أو حتى 5 آلاف فار، هي أعداد مضخمة ومبالغ فيها"، لافتاً الى أن "الرقم التقريبي لعدد الفارين من كل الأسلاك الأمنية يقدّر بنحو 2000 عنصر، منذ عام 2020، وهذا رقم تقريبي، لأنه ليس هناك إحصاء دقيق".


وبمعزل عن لعبة الأرقام، فإن هذا الملف بات يشكل قضية حساسة، نظراً الى ارتباطها بالقوى الأمنية للبلاد، وبالوضع الاجتماعي والمعيشي لفئة لا بأس بها من اللبنانيين، الذين يُفترض أن توكل إليهم مسؤوليات الأمن وضبط الاستقرار، فيما هم بحالة معيشية صعبة بالكاد يستطيعون تأمين مقومات العيش البسيطة والأولية.


من هنا، ثمة أكثر من سؤال مشروع في هذا الملف: أولاً، ما الوضع القانوني للفارين من القوى الأمنية؟ هل يمكن تسوية وضعهم؟ وما هي الحالة الراهنة لهم، إن كان من خلال درجات التراتبية عندهم أو مستقبلهم في السلك الأمني؟


هذا الواقع بات يزداد ثقلاً عند العنصر الأمني منذ عام 2019، أي منذ بداية اندلاع الأزمة المعيشية في البلاد، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية. وبسرعة زمنية لافتة، تآكل راتب العسكري والأمني، حتى كاد لا يساوي 50 دولاراً في بعض المراحل.

فما كان أمام عدد كبير من هؤلاء سوى الفرار من السلك، والتفتيش عن مورد رزق آخر، ولا سيما أن تقديم الاستقالات كان يُرفض في بعض الأحيان، تماماً كما رفض مبدأ إعطاء أذونات السفر.


فارّ أم مطلوب؟
بداية قصة هؤلاء كانت حين تُرفض استقالاتهم أو حتى أن تعطى لهم أذونات بالسفر فلا يبقى أمامهم سوى الفرار. فأيّ تفسير قانوني لحالة الفرار هذه؟ والأهم هل يمكن تسوية الأوضاع في محاولة لإنصافهم؟

قبل يومين، سارع النائب إبراهيم منيمنة الى تقديم اقتراح قانون حول هؤلاء الفارين من قوى الأمن الداخلي. وهو قدم عريضة نيابية، باسم 129 منهم، الى رئيس #مجلس النواب نبيه بري. فهل يكون القانون مقدمة لإنصاف الفارين، وإعادة ترتيب وضعهم القانوني؟


يقول منيمنة: " يقضي اقتراح القانون باعتبار العناصر الفارّين من قوى الأمن الداخلي منذ عام 2019، بحكم المطرودين من الخدمة".

وما يعزز ضرورة الإسراع في بت الآلية القانونية الواضحة داخل مجلس النواب، أن جزءاً من هؤلاء الفارين ترك البلاد، بعدما وجد فرصة عمل له في الخارج. وهو، الآن، لا يستطيع العودة، لأن المديرية رفضت تسريحه. ففي حقه بلاغ بحث وتحرٍّ، وفي الوقت نفسه، لا يستطيع البقاء في الخارج، بحيث تصبح إقامته غير شرعية، ولا سيما إذا انتهت صلاحية أوراقه، وأولها جواز السفر.

هذه الإشكالية تجعل من الفار مطلوباً للعدالة، فيما الواقع مخالف، لأن مديرية قوى الأمن الداخلي هي التي رفضت بالأساس قبول تسريحه، فأيّ حل يمكن أن يعالج هذه المعضلة؟
يشرح منيمنة: "أزمة العسكر الفار تحولت قضية إنسانية وحقوقية. فقد مضى على هؤلاء خمسة أعوام على فرارهم، أي إن المؤسسة لم تستفد من خدمتهم، فلمَ الإبقاء عليهم؟ إن المديرية تتسلح بمادة قانونية في موازنة الـ2019، تنصّ على وقف التسريح لمدة ثلاث سنوات".


إذن، يعود أصل الإشكالية، تحديداً الى المادة 78 من نص موازنة عام 2019 التي أوقفت التسريح، إلا أنها ربطت المهلة بمدة ثلاث سنوات، فهي بالتالي تُعدّ ملغاة منذ عام 2022.
تعلق أوساط أمنية لـ"النهار" أن "رفض التسريح ليس إجراءً من جانب المديرية، وإنما هو نصّ قانوني أقره مجلس النواب من ضمن موازنة الـ2019".

استنسابية في الطرد
ببساطة، ترمى الكرة على مجلس النواب لإصدار نصّ قانوني آخر. فكان اقتراح القانون المقدّم من منيمنة، الذي يطلب إصداره لمرة واحدة فقط، نظراً الى تزامن الأوضاع المعيشية وانهيار الرواتب والقدرة الشرائية، مع حالات الفرار.


وما زاد من الأوضاع السيئة لهؤلاء، أن كل الوعود التي أغدقت عليهم، إن كان من جانب المديرية أو من جانب الحكومة، من أجل تحسين أوضاعهم وإعطاء نوع من المحفزات لهم، لم تتحقق. وبقيت وعوداً على ورق، أو مجرد كلام.

وكانت النتيجة أن ارتفعت حالات الفرار، ولم تسوَّ أوضاع هؤلاء. حالياً، أمام الفارّ، حالتان: إما الاستمرار في حالة الفرار أو تسليم نفسه، وعندها يحال حكماً على المجلس التأديبي.

والمفارقة هنا، أنه بعد صدور القرار التأديبي، قد لا تقبل المديرية بحالات الطرد، كما يتمنى الفارون أنفسهم، لتسوية أوضاعهم، إن كانت الاجتماعية أو المدنية أو السياسية، فالقرار سيصدر، في أغلب الأحيان، بعودتهم الى السلك وبالتالي الى الخدمة. وهذا ما لا يريدونه، وإلا لما كان الفرار أحد الأساليب التي لجأوا إليها. لهذا السبب، تستمر راهناً حالات الفرار والإشكالية في الوضع القانوني لهؤلاء.

يكشف منيمنة أنه "طُرد بعض العناصر المرتكبين جرم الفرار، لكن بصورة استنسابية، وهذا الأمر موثق ببرقيات صادرة عن مديرية قوى الأمن الداخلي".

فلم الازدواجية في التعاطي؟ إما أن يُسمح بالطرد للجميع، وإما أن توقف هذه الآلية تماماً! لا بل، الغريب أنه سُجّل أيضاً عدد من حالات تجديد العقود، فيما العنصر الفار أراد أن يترك أصلاً، فلم الإصرار على عودته بالقوة وتجديد عقده؟

على المقلب الآخر، تشدد الأوساط الأمنية على أن "الحالة التي وصلنا إليها لا تشمل فقط الأسلاك الأمنية، بل كل القطاعات التي عانت، ولا تزال، وهي أتت نتيجة الأزمة المعيشية الأخيرة. فكل موظف خسر من قيمة تعويضاته، وعانى تآكل راتبه وانهيار مقومات العيش. من هنا، لمَ التصويب على القوى الأمنية".

وتتدارك: "صحيح أن ثمة واقعاً فرض نفسه، بسبب حالات الفرار التي حصلت. لكن هذه المشكلة قيد المعالجة بين السلطات المعنية، وفي مقدمها الحكومة ومجلس النواب".
هكذا، أمام هؤلاء الفارين اليوم فرصة لتسوية أوضاعهم، ولا سيما أن وضعهم القانوني غير سليم، إذا استمرت حالات الفرار بلا معالجة.

وفيما يسعى منيمنة الى جمع التواقيع على العريضة النيابية التي قدمها، باسم 129 عنصراً فارّاً من الأمن الداخلي، فإنه يتمنى إقرار الاقتراح بسرعة حتى تصدر الآلية القانونية لتصحيح أوضاعهم.

وفي نص الاقتراح، مادة وحيدة تنص على الأتي: "مع مراعاة أحكام القانون الرقم 17 تاريخ 6/9/1990 (تنظيم قوى الأمن الداخلي) تعتبر لمرة واحدة فقط، جميع العناصر الفارة من قوى الأمن الداخلي منذ العام 2019 ولغاية تاريخ نفاذ هذا القانون، بحكم المطرودين حكماً من الخدمة في حال تنازلهم عن كامل حقوقهم العسكرية والمالية. على أن تعلق حينها لمرة واحدة فقط الأحكام القانونية المنطبقة على حالات الفرار من الخدمة المتعلقة بالعقوبات الجزائية والتأديبية بصدد هذه الحالات".