ندوب جرحى 4 آب تُلاحق المسؤولين "اللّامسؤولين"... هل تصحو ضمائرهم فتتحقق العدالة؟

4 آب 2020... 4 آب 2023. ذكرى وقوع ثالث أكبر انفجار غير نووي في العالم.


ثلاث سنوات والجرح لم يندمل، والدموع على فراق أحباء رحلوا ظلمًا لم تجفّ. وما زاد الألم عدم معرفة الحقيقة حتى اللّحظة وعرقلة الوصول إلى العدالة بفعل فاعل.


أكثر من 220 شهيدًا، و7000 جريح، وعائلات خسرت منازلها التي دمّرت جراء عصف الانفجار. عصف لم يترك لهم حتى الذكريات التي تحملها جدران منازلهم أو أماكن عملهم. تفجير دمّر الحجر والروح.


 صحيح أنّ الأبنية التي دمُّرت أُعيد ترميم بعضها، لكن جرح النفس من يُرمّمه؟ 
صور الدمار والدماء والجرحى، صور الآباء والأبناء والأمهات التي تبحث عن أحبّاء في الشوارع أو بين الأنقاض أو في المستشفيات التي لم تعد تستوعب أسرّتها عدد الجرحى، لا تزال عالقة في ذاكرة اللبنانيين ويستعيدونها كلما مرّوا قرب المرفأ أو سمعوا صوتًا غريبًا، فقد زرع انفجار المرفأ رُعبًا قلّما أحدثه حدث أمني آخر.


مع قدوم هذه الذكرى الأليمة، لربما أكثر من يتألّم منها هم الجرحى الذي ترك عصف الإنفجار وتناثر الزجاج ندوبًا في أجسادهم لن تُمحى مدى العمر، وما زالوا حتّى اللحظة يشعرون بالرعب بمجرد رؤية هذه الندوب.
من بين هؤلاء الجرحى، "ألين عبد الحي" الشابة المليئة بالحياة والتي تعمل في أحد صالونات التجميل في الجعيتاوي في الأشرفية. 


في ذاك اليوم الأسود وبسبب قوة الانفجار وقع عليها زجاج المحل وجرح يدها اليمنى... لم تشعر في تلك اللّحظة بألم. اتصل شقيقها بها كي يطمئن عليها، فقالت له إنها حيّة ولم تُصب بأذى، إلا أنّ صاحب المحل رأى الدماء تسيل منها، وقال لها: "يدك تنزف وعليك الذهاب إلى المستشفى".


ومَنْ منّا لا يتذكر أصحاب المروءة الذين هبّوا للمساعدة ولو على دراجاتهم؟ فقد نقل سائق دراجة "ألين" إلى المستشفى الذي لم يكن لديه مكان لاستقبالها، فعولجت في باحتها على نفقة وزارة الصحة.
إصابة "ألين" تركت أثرها في نفسها وعلى جسدها، وهي ما زالت حتى اليوم تستعيد تلك اللحظة البشعة عندما ينظر إليها أي إنسان أو عندما يطرح عليها سؤالًا محرجًا عن سبب تلك الندوب.


تقول "ألين" لموقعنا برغم الآثار التي تركتها، قد تكون إصابتي طفيفة أمام من فقدوا أحبّاء وفلذات أكباد، إلّا أن الناس الذين يرون الجريح يقتلونه بكلامهم ونظراتهم وشفقتهم وهم كثر أصادفهم يوميًا بحكم طبيعة عملي. 
تضيف: "أصبحت أمام حلّ من اثنين: إمّا أن أواجه الناس وإمّا أن أبقى في البيت"... وبعد مرور 6 أشهر، قيل لي إنّ عمليات التجميل مكلفة خصوصًا أن وزارة الصحة لن تتكفّل بها وأنا أيضا لا أستطيع تحمّل تكلفتها، فكان الحل بوضع وشم على الجرح لإخفائه".


وتستعيد الشابة ما حصل معها: "عندما عدت إلى عملي، كنت أخشى من تكرار المأساة في كل ثانية، خصوصًا عند تحليق الطيران، أو عندما اشتعل حريق المرفأ بعد شهر على التفجير.. يومها لم أعرف كيف أعود إلى بيتي خوفًا من انفجار جديد، وما أسوأ التشنجات العصبية الهائلة التي اعترتني، فقد تملّكني الذعر خشية حصول انفجار آخر..".

هي واحدة من مئات القصص، استعدناها في الذكرى الثالثة لتفجير المرفأ، لعلّ من تناسوا التحقيق أو أرادوا طمس الحقيقة تؤنّبهم ضمائرهم، مع العلم أنّ من نام على وسادته ثلاث سنوات من دون أن يرفّ له جفن لن يأبه لندوب شابة من آلاف الذين أصيبوا في ذلك اليوم المشؤوم.


وإلى أن تصحو الضمائر في نفوس المسؤولين اللامسؤولين، سنبقى متمسكين بقضية من سقطوا في 4 آب في وجه سلطة قتلتنا جميعًا في ذلك اليوم، وبتنا أسرى التخيّلات والتهيؤات بفعل إجرامها.