هل من رادع لمن يرفع سلاحه بوجه من يحمل القلم والكاميرا؟

2 تشرين الثاني: هو اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. ويكاد هذا اليوم يكتسب، في هذه السنة، أهمّية مضاعفة مقارنة بالأحداث الدامية التي تجري في غزة، والتي لم تترك جانباً الصحافيين والمصوّرين، لا في غزة ولا في لبنان حتى!

عشرة أعوام مرت على تكريس هذا اليوم، تكريماً لحرية الصحافيين وعملهم وضماناً لسلامتهم وأمنهم. هو قرار دولي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول 2013.

يومها، اختير التاريخ تنديداً باغتيال صحافيين فرنسيين في مالي في 2 تشرين الثاني 2013، فأيّ قيمة لهذا القرار أمام ما يجري اليوم من حوادث وموت وقتل؟ وأي إفلات من الجريمة يمكن أن يمنعه قرار مماثل؟

لبنان وخطّة الأمم المتحدة

لطالما كان الجسم الصحافي في واجهة الأحداث. ولطالما أخذ نصيبه من القتل أو الإصابات، على الرغم من القوانين والمواثيق الدولية التي تصون رسالته، ويفترض أن تشكل رادعاً في وجه أي تهديد له.

لكن هذه المواثيق، وإن اعتبرت أداة وقائية للصحافي، فإنها ليست عائقاً دائماً أمام أداة القتل والإجرام والاغتيال. من أوكرانيا الى غزة، مروراً بحوادث إقليم كاراباغ، "حفل" هذا العام بسلسلة انتهاكات ضد الصحافيين، ولم يسلم منها لبنان.

نقيب المصورين الصحافيين في لبنان علي علوش يؤكد أن "الصحافيين لن يتخلوا عن دورهم في كشف الحقيقة، مهما أصابهم أو كيفما عُرقلوا عن تأدية واجبهم المهني".

منذ مقتل المصور اللبناني الزميل عصام عبد الله لم يتوان علوش عن رفع الصوت مطالباً بالحقيقة، وقد نظمت النقابة، لهذه الغاية، اعتصامات وندوات من أجل عدم السكوت عن الجريمة.

أما في اليوم العالمي لمنع الإفلات من العقاب، فقد استذكر علوش عبد الله وأكد "ضرورة عدم التخاذل عن قول الحقيقة لكشف من قتل عصام".

من المعلوم أن خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحافيين ومسألة الإفلات من العقاب تعدّ أول جهد متضافر داخل الأمم المتحدة للتصدي للهجمات على الجرائم المرتكبة في حق الصحافيين والإفلات من العقاب، وهي تجمع بين هيئات الأمم المتحدة والسلطات الوطنية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ومنذ اعتماد الخطة، اكتسبت قضية سلامة الصحافيين وضوحاً أكبر في الأمم المتحدة، وتزايدت في الآونة الأخيرة، الإعلانات الداعمة للخطة والمنادية بضرورة احترامها دولياً، ولا سيما مع تزايد حركات العنف واتساع دائرة الصراع بين الدول.

أرقام... ولا محاسبة

دولياً، وفي ذكرى هذا اليوم، حيّا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان صحافي، جميع الصحافيين الذين يضحّون بحياتهم من أجل الخبر، لكنه كشف بالأرقام الانتهاكات ضدهم.

تحدث تورك عن "مقتل 46 صحافياً على الأقل هذا العام"، قائلاً: "معظمهم قُتلوا عن عمد، ومن غير المرجح أن يُعاقب الجناة، حيث يتم الإفلات من العقاب في 86 في المئة من الجرائم ضد الصحافيين".

وكأن في ذلك "التصريح الرسمي"، اعترافاً علنياً بعدم جدوى القرار الى الآن! بالارقام، يسرد تورك الانتهاكات. يلفت الى أنه "في العام الماضي، سُجن 363 صحافياً، بزيادة قدرها 20 في المئة عن عام 2021، كما يتعرّض مزيد من الصحافيين لدعاوى قضائية تعسفية، على أساس قوانين تفتقد الوضوح بشأن التشهير، والتشهير الإلكتروني، ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني أو ما يسمّى الأخبار الزائفة".

أما اللافت في تصريح تورك فإشارته الى أن "الصحافيات على وجه الخصوص يعانين من مستويات لا تطاق من المضايقات عبر الإنترنت، ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى هجمات في الحياة الحقيقية لهن".

إذن، لا تبدو الأرقام الدولية مشجعة على الإطلاق. فوفق تقرير أعدته منظمة "الأونيسكو"، "قُتل أكثر من 1600 صحافي في أنحاء العالم في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2023، مع بقاء ما يقارب 9 من 10 حالات من دون حل قضائي".

وقالت المنظمة إن "الإفلات من العقاب يفضي إلى ارتكاب مزيد من جرائم القتل، ونخشى أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى إلحاق الضرر بمجتمعات بأكملها من جراء إخفاء انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة".

لذلك، ناشدت المنظمة "الحكومات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام تعزيز سيادة القانون من أجل بذل مزيد من الجهود لإنهاء حالات الإفلات من العقاب".

في الخلاصة، قد تكون عمليات القتل هي الشكل الأكثر تطرفاً للقتل أو للرقابة على وسائل الإعلام، إلا أن الصحافي قد يتعرّض أحياناً كثيرة لحالات تضرّ به أو تعوق عمله، بدءاً من الاختطاف والتعذيب وغيرها من الاعتداءات الجسدية... والأخطر، حين تؤدي هذه التهديدات دورها في بث الخوف في نفوس العاملين في مجال الإعلام.

حتى الآن، لا يعتبر اليوم العالمي لمنع الإفلات من العقاب رادعاً حقيقياً أمام القتل والإجرام في وجه الصحافي... ولا شك في أن من يوجه بندقيته أو سلاحه أو أداة تفجيره ضد من يحمل القلم والكاميرا، لا يردعه يوم عالمي لتكريم الصحافي... لأنه غالباً ما يعكس القتل والإجرام تزايد حالات النزاع في أكثر من بلد ودولة... ويشير، بلا شك، الى تداعي وانهيار مقوّمات البلد، ولا سيما السلطة القضائية فيه!