هل يلوذ السنّة بالمفتي لمغادرة الضياع وفرض واقع جديد؟

كتب منير الربيع في المدن:
يترقّب سنّة لبنان ما تؤول إليه وقائعه السياسية في المرحلة المقبلة. وتحلّ ذكرى 14 شباط وهم أمام استحقاقات كثيرة مصيرية. ولم يشهد السنّة في لبنان حال ترهّل كحالهم اليوم.

عازف ومطالب بإرث
وتحلّ ذكرى اغتيال رفيق الحريري هذا العام، بعد إعلان نجله ووريثه السياسي سعد الحريري عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية وتعليق عمله السياسي. وفي المقابل أعلن نجله الأكبر بهاء عن تصديه لدور سياسي. لكنه حتى الآن لا يبدو صاحب حركة جدية أو قادرة على التغيير أو التأثير. بل هو يتصرف وكأن ميدانه السياسي تركة أو ميراث يطالب بحقه فيه، بلا أي فاعلية سياسية أو حضور على الأرض في الحدّ الأدنى.
ولم تنتج السنوات الفائتة كوادر أو شخصيات سنية قادرة على الفعل السياسي. فهم غرقوا في مهارتات كثيرة، حول أحقية الميراث، أو في ضياع سياسي حول من يوالي سعد ومن يعقد العزم على بهاء، أو إعادة إحياء الشخصيات المناطقية المنبثقة من عائلات أو من حضور شعبي بحكم الملّة والجغرافيا والنطاق المناطقي، أو من خلال إعلان الولاء لمن يقدّم المساعدات.

 

نجاحات حزب الله
وهذا ما يعرّض تلك البيئة إلى فقدان البوصلة السياسية أو المشروع، فيما يسعي الخصوم إلى تحقيق اختراقات متعددة داخل بيئتهم، كحال حزب الله الذي نجح في العام 2018 بتكريس اختراقات نيابية بما يسمى اللقاء التشاوري، واستناداً إلى أبناء عائلات وبيوتات سياسية مناطقية. وحالياً ثمة تحدّ أساسي أمام السنّة وأمام حزب الله أيضاً. فهم يواجهون استحقاق إنتاج البديل عن الحريري، فيما يسعى حزب الله إلى الاستثمار في غياب الحريري لتكريس اختراقاته أكثر فأكثر.

ولا ينفصل الترهل أو الانهيار السنّي في لبنان عن تراجع السنية السياسية في المنطقة والإقليم. ومشروع نحرهم سياسياً قائم منذ اجتياح العراق. واستكملت عملية النحر في سوريا بسحق الثورة السورية، بدون القدرة على إنتاج مشروع وطني قادر على حفظ مرتكزات القوة لديهم. ثم برز التراجع الخليجي الكبير عن المشرق العربي، ولم ينجح السنّة، لا في لبنان ولا في سوريا أو العراق، في بلورة مشروع قادر على استنهاض العرب في هذه البقعة من الشرق.


دار الأفتاء والمفتون
وبعد إعلان الحريري عزوفه، بدأت محركات شخصيات سياسية سنية تدور، لا سيما حركة رؤساء الحكومة السابقين بالتعاون مع مفتي الجمهورية، الذي يحاول تحويل دار الفتوى إلى مرجعية سياسية مرحلية حتى موعد الانتخابات النيابية. لكن السنّة هم من أسهموا في إضعاف دور المفتي، سواء بطريقة تطويق المفتي السابق محمد رشيد قباني، الذي انتهى إلى طلب العون من حزب الله، أو في طريقة انتخاب المفتي عبد اللطيف دريان، الذي لم يأخذ دوره سريعاً، في ظل انقسامات سياسية ولدى المشايخ من حوله.

وحالياً يجد مفتي الجمهورية فرصة لإبراز دوره، علماً أن آخر دور بارز لعبه المفتي في لبنان كان دور الراحل حسن خالد، الذي كان يحظى بإجماع الطائفة من حوله، وبعلاقة وثيقة مع الطوائف الأخرى، وخصوصاً مع البطريركية المارونية.

وعندما طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي مشروع الحياد، وعقد مؤتمر دولي في سبيل لبنان، لم يكن للمفتي دريان أي موقف واضح في هذا الصدد. كان يفضل البقاء بعيداً من هذا المشهد الذي قد يكون منطوياً على انقسام. لكن في هذه المرحلة، يجد دريان نفسه مضطراً للظهور من خلال تفعيل حركته مع رؤساء الحكومة السابقين وشخصيات أخرى. لتشكيل مرجعية سياسية سنية، تحاول سد الفراغ وتسدّ الطريق على أي محاولات اختراق.

وثمة دور متأخر لمفتي الجمهورية يحاول أن يأخذه، علماً أنه لم يتمكن من لعب الدور المطلوب منه قبل فترة عندما حصر نفسه بالحريري. وحالياً وجد نفسه ضمن معمعة الضياع السنّي. وهو يعلم أن هناك موجة سنية ليست مع الرؤساء الثلاثة ولا مع الحريري أيضاً. وهذا ما يجعله حذراً في حركته، ويحتّم عليه العمل. لكنه بلا شك يواجه تحديات كثيرة ليتمكن من الخروج من واقع إلى فرض أمر واقع جديد.