واشنطن تدفع لـ"حلّ العودتين"...وكلام تحذيري لمسؤول أمني رفيع في دولة اوروبية عن لبنان

المتابع لمجرى الحرب الدائرة في قطاع غزة والمواجهات المتسارعة على جبهة جنوب لبنان، ينتابه شعور بأنّ كلّ الوساطات ومحاولات احتواء التصعيد قد استنفدت، وباتت الكلمة للميدان العسكري. الّا انّ السؤال الذي يطرح نفسه في موازاة التهديدات الاسرائيلية التي تنذر بحرب طويلة الأمد: هل ستتمكن اسرائيل من تحقيق أيّ من اهدافها التي رفعتها لتحرير الأسرى الاسرائيليين والقضاء على حركة «حماس»، وتتفرّغ بالتالي لجبهة جنوب لبنان. أم أنّ الميدان سيشهد تطورات ما تفرض صفقة تبادل للأسرى بين اسرائيل و»حماس»، قائمة على وقف لاطلاق النار، ينسحب تلقائياً على جبهة لبنان، ويفتح الباب على حل سياسي تعتبره الولايات المتحدة الاميركية السبيل الوحيد لعودة سكان جنوب لبنان ومستوطنات الشمال الى منازلهم في جوّ آمن؟

فيما ما زالت واشنطن تعوّل على مبادرة الحل التي أطلقها الرئيس الاميركي جو بايدن، وإن كانت معوقات كبرى تعترضها، سواء من الجانب الاسرائيلي الذي اعلن رفض إدخال تعديلات عليها، او من حركة «حماس» التي تضع اشتراطات اساسية لقبول المبادرة، ولاسيما تعهّد اسرائيل بوقف نهائي لاطلاق النار والتزامها بالانسحاب من قطاع غزة.

طبول الحرب

الّا انّ هذا البطء أو التعثر في مسار مبادرة الحلّ الاميركية، تُضاف اليه طبول الحرب الواسعة التي تقرعها حكومة بنيامين نتنياهو، والتي ضجّت بشكل مكثف بالتزامن مع مواجهات محتدمة في شهر حزيران الفائت، الذي اجمعت التقارير العسكرية على انّه كان الأعنف منذ بداية الحرب، وخصوصاً على جبهة جنوب لبنان، أحدثت مساحة واسعة من الاعتقاد بأنّ الميدان العسكري من غزة الى لبنان على شفير التدرّج نحو الحرب. وعززت هذا الاعتقاد التهديدات الاسرائيلية المتواصلة بتطويل أمد الحرب، وتكرار سيناريوهات التدمير والإبادة الجماعيّة ضدّ ما تبقّى من قطاع غزة، وشن عملية عسكرية ضدّ لبنان.

على انّ المتمعن في عمق الصورة، يتبدّى له أنّ منحى التصعيد والتهديد الذي تسلكه حكومة نتنياهو، تعترضه موانع كبرى، حيث أنّ كلّ التقديرات سواء الأميركية او الدولية أو تلك الصادرة من داخل اسرائيل من مستويات سياسية وعسكرية، ومن معلّقين ومحللّين، باتت تجمع على انّ خيار الاستمرار في الحرب في غزة ليس صائباً، وعلى التحذير من انّ الحرب على لبنان تنطوي على مخاطر وأكلاف عالية ومدمّرة. وكلا الحربين، لن يمكنا نتنياهو من تحقيق الانتصار الذي يريده. بل انّ خيار الحل الاميركي هو الذي يعيد ما تبقّى من أسرى اسرائيليين لدى حركة «حماس» سالمين. وخيار الحل السياسي الذي تدفع اليه واشنطن، هو الذي يمكّن سكان مستوطنات الشمال من العودة الى بيوتهم.

«حل العودتين»

على أنّ ما يُقال في الغرف الديبلوماسية، لا يغلب فرضية التصعيد، ولاسيما انّ قنوات الاتصال المفتوحة مع الوسطاء، وفق ما تكشف مصادر رسميّة لـ»الجمهورية»، ما انفكّت ترسل اشارات معاكسة للجو الحربي، وترجّح خيار الحل السياسي في المدى القريب المنظور على جبهتي غزة وجنوب لبنان. وخصوصاً انّ الاميركيين مصمّمون على إنجاح مبادرة الرئيس جو بايدن، بل انّهم باتوا عازمين أكثر من ذي قبل على تهدئة في غزة توازيها او تواكبها تهدئة على جبهة لبنان. ولهذه الغاية لن يطول الوقت وسيعود آموس هوكشتاين في زيارة جديدة الى المنطقة.

ولا تفصّل المصادر الرسمية في مضمون تلك الإشارات، بل تكتفي بالقول: «إنّ ما نسمعه يؤكّد في جوهره توجّه الادارة الاميركية الى بلوغ ما يبدو انّه «حل العودتين»؛ اي عودة الاسرى الاسرائيليين في غزة، وعودة سكان الجنوب ومستوطنات الشمال الى بيوتهم».

وتضيف المصادر عينها: «يقولون إنّ الاسبوعين او الثلاثة المقبلة حاسمة للدفع بالحلول إلى الامام، ومن شأن هذا الامر أن يقلّل منسوب القلق من تصعيد واسع. ولكن هذا لا يعني الركون لكل ما يُقال، قبل ان نلمس بوادر الحل على الارض، ونتائج ما يُقال عن ضغوط اميركية قوية تُمارس على اسرائيل للسير بالحل، ومن هنا فإنّ من الواجب الحفاظ على قدر عالٍ من الحذر من الغدر الاسرائيلي».

المتاهة

إلى ذلك، ووفق معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، أنّ مسؤولاً أمنياً رفيعاً في دولة اوروبية اجرى في الآونة الأخيرة، سلسلة لقاءات مع مستويات لبنانية سياسية وغير سياسية، تمحورت حول مستجدات الوضع على الحدود الجنوبيّة، وخصوصاً مع تصاعد العمليات العسكرية والقصف العنيف المتبادل بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، وارتفاع وتيرة التهديدات بعمل عسكري اسرائيلي واسع ضدّ لبنان.

وبحسب المعلومات، كما نقلتها مصادر موثوقة، فإنّ المسؤول الأمني المذكور بدا في كلامه وكأنّه يشدّد على إبقاء الوضع على الجبهة الجنوبية تحت سقف مواجهات منخفضة الحدّة، وعكس ذلك في تحذيره من انّ رفع سقف المواجهات الى وتيرة عالية من التصعيد من شأنه أن يخرج الامور عن السيطرة، ويحبط الجهود الرامية الى خفض التصعيد كمقدمة لبلورة حل سياسي يؤدي الى وقف نهائي لاطلاق النار».

ونقلت المصادر عن المسؤول الأمني قوله ما حرفيته: «إنّ الوضع كما نراه، لا يبعث على الاطمئنان، وخصوصاً انّه مع التصعيد المتواصل من الجانبين بات اكثر قرباً من السقوط في صراع واسع لا نرى فيه مصلحة لأي من الاطراف، وخصوصاً انّه يضع كل المنطقة امام منزلقات ومخاطر كبرى يستحيل تقدير حجمها إن خرجت الامور عن السيطرة، وهو ما يوجب قدراً عالياً من ضبط النفس. وقد ابلغنا ذلك الى الجانب الاسرائيلي، وهو ما نريد أن نراه من الجانب اللبناني الذي في إمكانه منع «حزب الله» من القيام بأي مغامرة عسكرية تتسبب بإشعال الحرب».

وعندما سُئل المسؤول الامني عمّا اذا كان يرجح خيار الحرب الواسعة، بدا من ناحية، حذراً من «حزب الله»، حيث اعتبر انّ التصعيد الذي يمارسه لا يخدم الجهود الرامية الى حل سياسي، بل من شأنه أن يفاقم الامور اكثر، حيث انّ الاعلانات التي تصدر عن الحزب وتقول بأنّه لا يريد الحرب، يناقضها تصعيد كبير على الحدود. ومن ناحية ثانية اشار إلى خلاصة «تقييم عسكري غربي للحرب ونتائجها»، يقلّل من احتمالات الحرب الواسعة، لاسباب متعددة، ابرزها الضغط الاميركي لعدم توسّعها، يُضاف الى ذلك، أنّ اسرائيل بعد 9 اشهر من الحرب، باتت عالقة في ما يشبه المتاهة المقفلة، ووضعها الداخلي تشوبه موانع كثيرة، وعدم جهوزية لحرب واسعة او طويلة الأمد، ما يعني انّها في حاجة الى حل سياسي».