وثيقة مسرّبة: قطاع التعليم الرسمي مهجور طلاباً وأساتذة

رغم التطمينات التي أطلقها وزير التربية من قصر بعبدا، قبيل رحيل الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون، عن أن تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية ما زال مستمراً، وأن عدد الذين تسجلوا اقترب من أعداد العام الفائت، تشير كل المعطيات إلى أن عدد الطلاب تراجع كثيراً عن العام الفائت.

تراجع كبير
منذ نحو شهر أظهرت وثيقة مسربة من وزارة التربية، اطلعت عليها "المدن"، أن نسبة المسجلين حينها كانت توازي 40 بالمئة من المسجلين في العام 2021-2022. وعاد الرقم وارتفع قليلاً بعد فك روابط المعلمين الإضراب، وخصوصاً في المرحلة الثانوي، الذي بدأ التسجيل الفعلي فيه في منتصف الشهر الحالي.

وفق أرقام المركز التربوي للإنماء والبحوث، الذي لم يصدر النشرة الإحصائية للعام 2021-2022، إلا منذ نحو أسبوع (تأخرت النشرة نحو ثمانية أشهر) تراجع عدد الطلاب في القطاع الرسمي، للطلاب اللبنانيين بنحو 40 ألف طالب في العام 2022، عن العام 2021، كما تراجع عدد الأساتذة الكلي (ملاك وتعاقد ومستعان بهم) بنحو 2400 أستاذ. وتبين أن العام المنصرم شهد نزوحاً من التعليم الرسمي إلى المدارس الخاصة المجانية وشبه المجانية وغير المجانية. وجاء في النشرة ما حرفيته عن شرح نسب الطلاب (الصفحة التاسعة من النشرة): "يظهر الّرسم البياني أن نسبة الالّتحاق في الّتعليم الخاّص غير المّجاني هي الأعلى (52.93 بالمئة) خـلال العام الّدراسـّي 2021-2022. وتقدم هـذا القطاع علـى غيره من القطاعـات الأخرى، دليل علـى أن الّلبنانـّي حريص جـًّدا علـى نوعّيـة الّتعليم وجودتـه، علـى الّرغـم مـن الأزمـة الاقتصادّيـة والاجتماعّيـة اّلتـي يعانيهـا البلـد". وهذا اعتراف من المركز التربوي على عدم فعالية التعليم الرسمي وعدم ثقة اللبنانيين به، وتفضيلهم القطاع الخاص عليه.

تطمين الدول المانحة
وتوعز مصادر تربوية تطمينات الحلبي بارتفاع عدد الطلاب المسجلين في القطاع الرسمي، إلى أسباب تتعلق بدعم المانحين الدوليين لوزارة التربية. فانخفاض عدد الطلاب في القطاع الرسمي وارتفاع عدد المتسربين من التعليم يؤدي إلى تخفيض الجهات المانحة دعمها للوزارة. وهذا أحد أسباب تأخر صدور النشرة الإحصائية للمركز التربوي للإنماء والبحوث، كل هذه المدة.

في العام الحالي، وبعيداً عن الوثيقة المسربة من داتا الوزارة، التي تثبت تراجع نسب المسجلين، يعتبر ارتفاع عدد المسجلين بعد فك الإضراب أمراً طبيعياً. لكن المعطيات على الأرض تشير إلى انخفاض العدد بما لا يقل عن 40 بالمئة. ويؤكد مدراء مدارس وثانويات وأساتذة في الجنوب وبيروت وجبل لبنان، تواصلت "المدن" معهم، أن عدد الطلاب تراجع بشكل كبير. يوجد تفاوت بين منطقة وأخرى لكن بشكل عام، يبدو أن أهالي الطلاب يفضلون ضمان تعلم أبنائهم، ما يدفعهم إلى خيار المدارس الخاصة. 

ويوعز المدراء التراجع بعدد الطلاب هذا العام إلى سببين أساسيين: كلفة النقل التي باتت تتجاوز مليون ونصف المليون شهرياً لكل طالب، وأقساط المدارس الخاصة، التي رغم ارتفاعها، باتت أقل من خمسين بالمئة عما كانت عليه قبل الأزمة المالية. لذا يفضل أهالي الطلاب تعليم أولادهم بمدارس خاصة قريبة من منازلهم، وتوفير بدل النقل لدفعها كأقساط للمدارس الخاصة شبه المجانية وغير المجانية.

في انتظار المساعدات
بعد بدء انتظام العام الدراسي في المدارس والثانويات عاد طلاب وتسجلوا، لكن هذا لا يعني أن العام الدراسي سينتظم وسيكون أفضل من العام الفائت، في القطاع الرسمي. فالأساتذة لم يحصلوا على الحوافز التي وعدوا بها، والموازنة العامة لم تقر بعد، لقبض ثلاثة رواتب كمساعدة اجتماعية، كما أقرت لهم. ما يفتح الباب لعودة الإضرابات في حال لم تتحقق الوعود. 

وتشير مصادر روابط المعلمين إلى أنهم ينتظرون صدور الموازنة في الجريدة الرسمية لاتخاذ الموقف المناسب. فالرئيس السابق عون لم يوقعها، ولم يردها إلى المجلس النيابي، وبالتالي ستصدر حكماً في الجريدة الرسمية، ويحصل الأساتذة على المساعدات.

لكن يتخوف الأساتذة من بقاء الأمور مجرد وعود، لأن دفع المساعدات وبدل النقل، الذي رفع إلى 95 ألف ليرة يومياً، رهن تأمين الدولة الإيرادات اللازمة. وفي ظل الأزمة السياسية الحالية، وفي حال لم يبدأ العمل بالدولار الجمركي، يصعب تأمين الإيرادات.

أما بما يتعلق بالحوافز التي وعد بها الوزير الحلبي (تأمين مبلغ 130 دولاراً شهرياً من الجهات المانحة) فما زال الأمر مجرد وعد، ولم يتم تأمين المبالغ المالية المناسبة. 

عملياً سيكون الشهر المقبل مفصلياً في مصير التعليم الرسمي. فعدم تلقي الأساتذة المساعدات سيعيد عقارب الساعة إلى الخلف، ويعود مشاهد الإضرابات والاحتجاجات من جديد.