"المعيار المرجّح" بين يدي لودريان...الخيار الثالث سيكون "الخطوة التالية"

لا يُنتظر الكثير من الزيارة الخامسة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت غداً حتّى في ظلّ إعلان استئناف الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، لكنّ محطّته اللبنانية هذه المرّة ترتبط بشكل وثيق بمآل التنسيق المتقدّم بين باريس وواشنطن والاتّفاق المُنجَز بين أعضاء الخماسية على تحضير الأرضية في الداخل اللبناني لأيّ تطوّر مفاجئ محتمل يُدخِل غزة في هدنة طويلة. والأهمّ الاتّفاق بين “الخمسة” على العناوين العريضة للحلّ الرئاسي.

تؤكّد معلومات “أساس” أنّ الزيارة المؤجّلة للموفد الفرنسي منذ بداية العام والتي تسبّب بعدم حصولها اندلاع حرب غزة تحمل عنواناً أساسياً هو مكاشفة لودريان القيادات اللبنانية بـ “المعيار المرجّح”، أي المعايير التي شكّلت نقاط تقاطع بين مختلف القوى السياسية خلال لقاءاته السابقة معها، إضافة إلى خلاصة اللقاءات مع الخماسية، التي على أساسها يمكن بناء لَبِنة التوافق على الرئيس المقبل.

بتقدير متابعين أنّ هذه المعايير المُرجّحة قد تكون كفيلة وحدها بشطب أسماء من لائحة المرشّحين المُعلنين وغير المعلنين، وبناءً على أجوبة المسؤولين اللبنانيين لهذه المعايير ستترتّب الخطوات المقبلة فرنسيّاً ودوليّاً.

هذا في المضمون، أمّا في الشكل فلا جدّية في الكلام عن تحضيرات لمؤتمر حواريّ في باريس برعاية فرنسية، لكنّ ثمّة اقتراحاً يهدف إلى تجاوز فكرة دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسات حواريّة، وقد يتبلور أكثر خلال زيارة اليومين للموفد الرئاسي الفرنسي.

يقوم الاقتراح على أساس أن تدعو كتلة “الاعتدال الوطني” إلى جلسات تشاور محدودة يفتتح أولى جلساتها لودريان شخصياً، وتُستكمل باقي الجلسات ضمن إطار تشاوري يوصل إلى فتح أبواب الهيئة العامّة لانتخاب رئيس الجمهورية وفق دورات متتالية.

وفق مصدر موثوق لـ “أساس” قد تكون أهمّ الخلاصات التي خرج بها أعضاء الخماسية منذ بدء مهامّهم في سياق البحث عن الحلّ الرئاسي هي تسليم جميع القيادات اللبنانية من دون استثناء بأنّ الخيار الثالث سيكون “الخطوة التالية” بعد مرحلة من الاستعصاء دامت أشهراً ضمن محاولات كسر الحواجز بين “المحورين” التي لم توصل إلى مكان.

لكنّ توقيت الجلوس للبحث في الخيار الثالث لا يزال رهينة أحداث غزة ورفح وحسابات إقليمية لم تتّضح صورتها بعد، ومجيء لودريان قد يُشكّل فرصة رئاسية أخيرة قبل الدخول في نفق الانتخابات الأميركية. يذهب البعض إلى حدّ تأكيد أنّ الحزب نفسه سيكون براغماتيّاً في التعاطي مع هذا الخيار بما يُشبِه براغماتيّته في مواكبة ملفّ ترسيم الحدود البحرية.

في السياق نفسه، تفيد معطيات “أساس” بأنّ الضغط الدولي واضح على القيادات اللبنانية للالتزام بالمعايير التي تؤدّي إلى إنتاج رئيس توافقي مناسب للمرحلة من دون فرض أسماء من قبل أيّ جهة دولية. وهذا الضغط يشكّل مهلة حثّ طويلة الأمد قبل “القطع”، أي احتمال اتّخاذ إجراءات ترفض أيّ جهة دبلوماسية اليوم تحديد ماهيّتها.

لقاء القمّة الفرنسيّ-الأميركيّ

على خطّ مواز، يؤكّد مصدر دبلوماسي أنّ الملفّ اللبناني سيحضر في القمّة الرئاسية التي ستجمع الرئيس الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في 6 حزيران المقبل، وسينعكس ذلك من خلال تضمين البيان الصادر عن الرئيسين بنداً عن لبنان، كما أنّ حصيلة ما سيجمعه لودريان من معطيات من الكتل النيابية التي سيلتقيها ستشكّل نواة للموقف الأميركي-الفرنسي المشترك حيال لبنان.

يضيف المصدر نفسه: “أخشى من خطر داهم في حال استمرار المراوحة الرئاسية بسبب التصلّب المتبادل في المواقف. بعض الدول الراعية للتسوية في لبنان بات نَفَسها ضيّقاً كثيراً، وأخشى فعلاً ردّة فعلهم. لكنّ المؤكّد أنّ الخماسية لن تقبل بفرض رئيس على أيّ طرف، وأنّ رئيساً بـ 65 صوتاً سيشكّل نكسة رئاسية. الهدف هو رئيس بالثلثين، وهذا يعني توافقاً يستحيل أن يكون الطرف المسيحي خارجه”.

بمطلق الأحوال، يراهن أعضاء اللجنة الخماسية على حراك لن يهدأ قبل أن تقول غزة كلمتها. ويتّكئ هؤلاء على إيجابيّتين في ما يتعلّق بالترتيبات الأمنيّة المحتملة في جنوب لبنان بعد إرساء الهدنة في غزة:

– استعداد الحزب الصريح للبحث في استاتيكو الجنوب ما بعد غزة. من ضمن هذه الإيجابيّات موافقة الحزب، وفق مصادر الخماسية، على عدّة بنود في الورقة الفرنسية التي لم تكن مرفوضة بالكامل من قبله، ومن ضمنها إنهاء المظاهر المسلّحة للمقاومة جنوب الليطاني، وهو باب يمكن من خلاله الدخول إلى لبّ موضوع الترتيبات المطلوبة دولياً على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.

– الرهان على دور مستقبليّ نوعيّ للجيش في جنوب لبنان بموافقة الحزب. هنا يقول مصدر دبلوماسي: “بقدر ما أنّ انتشار الجيش بعديد أكبر في الجنوب هو مطلب لبناني داخلي قبل أن يكون مطلباً دوليّاً وبات أولوية كبرى بعد أحداث غزة، إلا أنّنا لا نتوقّع أن يكون الأمر سهلاً، إذ إنّ أيّ احتكاك هذه المرّة سيكون مباشراً بين الحزب والجيش، وهذه نقطة حسّاسة جداً تستدعي تسليماً من قبل الحزب بالدور المطلوب من الجيش جنوباً”.