تحرّكٌ برلماني ضدّ إسرائيل يُقلِّل خبراء "مِن جَدوَاه"

أوصت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب اللبناني بتشكيل لجنة متابعة لتحضير ملف دعوى ورفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضدّ إسرائيل إزاء ما اعتبرته "انتهاكاً صارخاً" لأبسط قواعد النزاعات المسلّحة إثر تدمير المستشفى المعمداني. وقد ارتأت لجنة الشؤون الخارجية مجتمعة "رفع الصوت" على تنوّع انتماءات النواب السياسية ما ضمّ تكتلات فريقي المعارضة و"الممانعة" على حدّ سواء، ولوحظ اتفاق جميع أعضائها على مضمون التوصية المعبّر عنها والمرفوعة إلى المجلس النيابي. واستنكرت اللجنة ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من "عدوان متوحّش" قصفاً وتدميراً وحصاراً وتجويعاً. وفي السياق، تعوّل لجنة الشؤون الخارجية على وحدة موقف لبناني مع بداية بحثها آليات قانونية للعمل عليها وتقديم الملف، ساعية إلى الحدّ من تكرار قصف المستشفيات ومخالفة القوانين إذا تمدّدت رقعة الحرب ووصلت إلى لبنان مثلاً. لكن، هناك علامات استفهام جليّة تُطرَح حول مدى صلاحية لبنان في مسألة كهذه وإذا كانت ثمة جدوى من خطوات مماثلة أو أنها تصبّ في خانة تسطير مواقف شكلية لا يرجّح أن تؤدي إلى صدى؟ ومن منطلق علميّ بحت، هل حقاً في استطاعة لبنان فعلياً تقديم دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية؟ ولماذا يُقلّل خبراء في القانون الدولي من فعالية خطوة مماثلة إذا حصلت والنتائج المترتبة عنها؟

بالنسبة إلى مضامين الكواليس التي أدّت إلى إصدار التصريح المنبثق عن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني، فإنّ التوصل إلى صياغة التوصيات احتاج وقتاً للموافقة عليها. وهناك اعتزام للعمل في سبيل تشكيل اللجنة مع السعي لمراجعة نواب لديهم "باع طويل" من الخبرة في القانون الدولي ودراسة إذا كانت هناك آليات يمكن اتخاذها. في غضون ذلك، يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني النائب فادي علامة لـ"النهار" إنه "لا بدّ من السعي للعمل على رفع قضيّة ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأن ضرب مستشفى يضمّ جرحى ولجأ إليه مدنيّون فلسطينيون في اعتباره مكاناً آمناً، يعارض الاتفاقيات الدولية ويخالفها". وفي رأيه، يفترض الوصول إلى نتيجة لأنّ رفع الصوت مسألة ضرورية، مع إدراك اللجنة أن هناك اختلافاً في الآراء القانونية بين مؤيّدين أو معارضين لإمكان اتخاذ خطوة كهذه. ويردف علامة أنّ "لجنة الشؤون الخارجية عملت طويلاً على النقاط التي ضمّنتها وتحاول تحصينها ودراسة كيفية التحرّك ضمن الإطار القانوني وهذا ما يُعمل عليه حالياً. وتكمن الغاية في التأكيد على رفض ضرب إسرائيل بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية التي تحمي المؤسّسات الاستشفائية والانسانية، ثم الانتقال إلى الخطة العملانية التي تحتاج عملاً بين القانونيين الذين يساندوننا". لكن، هل فعلاً يمكن للتوصيات الوصول إلى نتائج بعدما نفت إسرائيل قصف المستشفى المعمداني وغياب تبني المقاربة الدولية لفرضية مماثلة؟ يجيب علامة: "نترك التعليق للقانون الدولي ليأخذ مجراه، ولا نعي إلى أي مدى سيكون هناك قدرة على إجراء تحقيق داخل قطاع غزّة لتحديد طبيعة الانفجار الحاصل، لكننا لن نأخذ في التبرير الاسرائيلي طالما تغفل تل أبيب الاتفاقيات الدولية. ولا بدّ من متابعة المساعي رغم إدراك لجنة الشؤون الخارجية أنّ فرضية التوصّل إلى تحقيق دوليّ في الظروف الحالية مسألة شبه مستحيلة. لكن، يمكن أقلّه تحضير أرضية حتى انتهاء أزمة غزّة ثم استكمال المطالبة بالتحقيقات".

لماذا يُرجّح خبراء في القانون الدولي استطلعت "النهار" مقاربتهم عدم جدوى تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية وصولاً إلى تأكيد بعضهم أنها خطوة خارج السياق العلمي؟ بالنسبة إلى إضاءات دكتور القانون في الجامعة الأميركية في بيروت المحامي أنطوان صفير، "لا يمكن للبنان إقامة دعوى لأنه ليس صاحب صفة ولا صاحب مصلحة للقيام بذلك. أما أصحاب الصفة والمصلحة أو المدعي العام فإنه من تلقاء ذاته يبدأ بتحقيقات في هذا الشأن؛ ولكن إسرائيل ليست موقّعة على اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية. وكذلك، فإن لبنان لم يبرم اتفاقية روما ما يجعل تقديم الدعوى خطوة غير ممكنة وغير واقعية". وفي استنتاج صفير، "إنها خطوة لن تؤدي إلى شيء... كذلك، كانت هناك شكاوى لبنانية ضدّ اسرائيل لدى الأمم المتحدة مرّات عدّة من دون الوصول إلى نتيجة. بات الموضوع في سياق آخر ويحتاج إلى تحرّك دولي لتحريك المحكمة الجنائية الدولية في هذا الاتجاه بهدف التحقيق والوصول إلى معاقبة المسؤولين والفاعلين".

من جهته، يَعتَبر البروفيسور والوزير السابق المحامي إبراهيم نجار، أنه "لا يمكن القيام بخطوة مماثلة أمام المحكمة الجنائية الدولية بل في الامكان توجيه شكوى أمام الأمم المتحدة؛ ذلك أنّ إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية وإذا قُدّمت شكوى من لبنان لن يتم التوصّل إلى نتيجة". وينصح نجار لجنة الشؤون الخارجية بإحالة شكوى إلى الأمم المتحدة التي "سبق أن حكمت بتعويضات مالية للبنان بعد قصف إسرائيل لمنشآت الزهراني والدامور في حرب تموز 2006 لكن السلطات اللبنانية لم تتابع القضية بعدذلك". ويضيء نجار كذلك، على أن "لبنان ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية بعدما طُلب ضمّه إليها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي لكنه رفض، رغم أنه جرى بحث الموضوع جيداً حينذاك وكانت هناك إرادة لبنانية للانضمام، لكن النظام السوري مارس ضغوطاً حالت دون انضمامه. وعموماً، هناك دول عدّة تتجنب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية خشية إقامة دعوى ضدّ رؤساء جمهوريتها".