دير المخلص بمنطقة متعددة الطوائف في إقليم الخروب.. علامة فارقة ومدماك أساسي في ترسيخ العيش المشترك

شكل دير المخلص علامة فارقة ومدماكا أساسيا في ترسيخ العيش المشترك بين أبناء الوطن، من خلال موقعه المميز في منطقة تعكس النموذج المصغر عن لبنان بتعدديته الطائفية والمذهبية والدينية والحزبية، وقد جعلت منه واحة للتلاقي والحوار والتعاون.

يستمر الدير التابع لطائفة الروم الكاثوليك والذي يقع في منطقة إقليم الخروب (قضاء الشوف)، وقد تأسس في منطقة متعددة الطوائف والمذاهب، وعلى أرض تعود ملكيتها لأحد أبناء الطائفة الدرزية (قبلان القاضي) العام 1711، في رسالته الروحية وفي تعزيز وتمتين أواصر التلاقي ومد جسور التواصل بين مختلف العائلات اللبنانية على مستوى الوطن.

كان التأسيس على يد المطران أفتيموس الصيفي، على تلة تحدها أحراج الصنوبر في خراج بلدة جون، وفي نقطة تشكل همزة وصل ما بين مناطق إقليم الخروب والشوف وجزين والجنوب. ويضم مقر الرهبنة المخلصية التي تأسست في مدينة صيدا عان 1683، والتي انطلقت رسالتها إلى العالم.

نسج الدير أفضل وأمتن العلاقات مع محيطه وجيرانه، فتخطى بذلك إطار البعد الديني، إلى الاهتمام والتعاطي بأوضاع وقضايا المجتمع والناس والعلم، من خلال الزيارات المتواصلة للشخصيات المتنوعة لمقره، من رؤساء جمهورية وبطاركة ومطارنة، ووزراء ونواب وقيادات أسياسية فاعلة وسفراء وغيرهم.

ويحتل العلم مساحة واسعة على خارطة الدير، حيث تقع أهم مكتبة في العالم وقد تأسست عام 1711، وتحتوي على أقدم إنجيل مطبوع باللغة العربية في مطبعة روما عام 1591، وفيها 50 ألف كتاب متنوع، بين ديني ولاهوتي وفلسفي وعلمي وطبي وتاريخي، فضلا عن أكثر من 3000 مخطوطة دينية قديمة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية واليونانية وغيرها.

كما تحوي المكتبة مخطوطات إسلامية باللغات العربية والتركية، بعضها كتب بماء الذهب وبعضها يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، ومنها كتاب صلاة بالطقس البيزنطي باللغة السريانية من العام 1200 ذو غلاف خشبي.

وبالإضافة إلى ذلك، أسست مدرسة لتصدير العلم من هذا الموقع.

ديب

الرئيس العام للرهبنة المخلصية الأرشمندريت إنطوان ديب، قال لـ «الأنباء»: «انطلقت فكرة بناء دير المخلص خلال زيارة رعوية كان يقوم بها المطران أفتيموس الصيفي إلى بلدة جون عندما حصلت أعجوبة، حيث كان يتلهى أحد الشمامسة ببندقية، فانطلقت طلقة أصابت أحد الآباء، فصرخ المطران الصيفي «يا مخلص العالم»، وعندها لم تخترق الطلقة صدر الخوري، فقال الصيفي: «المخلص يريد ان يبنى له دير في هذه المنطقة».

وأضاف ديب: «بناء على المراجع والكتب تم اختيار هذه المنطقة، وكانت الأرض تعود ملكيتها إلى قبلان القاضي، أحد أجداد آل جنبلاط، فتم استئجارها في العام 1700 خلال عهد السلطنة العثمانية، وبدأت معها انطلاقة رسالة الدير. وفي العام 1710 تم شراء قطعة الأرض، وكتب على «صك التفريغ» العبارة التالية: «من قبل قبلان القاضي يد اليمين تفرغ إلى يد اليسار الأرض لتكون إلى دير المخلص».

واعتبر «ان هذه الخطوة التاريخية كانت أول مدماك للتعايش الدرزي - المسيحي، إذ ان جميع الذين وقعوا على صك البيع هم من الطوائف الإسلامية».

وأكد «ان الدير نسج علاقات كبيرة مع محيطه، وانطلقت الرئاسة العامة للرهبنة المخلصية من صيدا إلى الدير ولاتزال»، لافتا إلى «ان رسالة الرهبنة المخلصية انطلقت في الأطراف، ولم تنطلق من المتن أو كسروان، انما في مناطق مختلطة، حيث تأسست في مدينة صيدا، فيما بني دير المخلص في إقليم الخروب – قضاء الشوف، وعلى يد المطران افتيموس ذات الأصول السورية».

وأشار ديب إلى «ان الدير تحول في الحرب العالمية الأولى» إلى ملجأ ومقرا لأبناء الوطن بسبب الحرب والمجاعة. وكانت الرئاسة العامة للرهبنة تحرص على إطعام المهجرين والنازحين قبل إطعام الرهبان. وعندما نفذت مخازن الدير من الحبوب والطعام، لجأت الرهبنة إلى عائلة الزين في النبطية، وتحديدا والد النائب السابق الراحل عبد اللطيف الزين، الذي كان من كبار التجار وقتذاك وتم التواصل معه، فأعطى تعليمات بتسهيل كل ما يطلبه الدير من حاجات لإطعام النازحين ودون أي مقابل».

وأكد ديب «ان رهبنتنا لا يمكن ان تنسى هذه الوقفة الكريمة من عائلة الزين التي نحن على تواصل دائم معها».

وأشاد «بعلاقة الدير مع محيطه، والذي تأسست فيه مراكز الحوار المسيحي - الإسلامي، ومراكز الرهبنة في الجنوب وفي فلسطين والاغتراب».

الشيخ خضر عيد

من جهته، أكد إمام بلدة جون الشيخ خضر عيد على «العلاقة الوطيدة والمميزة مع دير المخلص، والتي كانت ولاتزال وستستمر في جميع المحطات». وشدد على «انها علاقة تعاون وتكاتف ومؤازرة لتخطي كل الصعاب التي مر بها الوطن، بدءا من الحرب العالمية الاولى وحتى اليوم».

وقال: «ورثنا عن أجدادنا وآبائنا هذه العلاقة الحميمة بين جون ودير المخلص، ونحن أبناء بلدة واحدة، ويهمنا الجانب الإنساني التفاعلي. وفي الاستحقاقات كان الناس بحاجة لان يقفوا إلى جانب بعضهم البعض، لذا كانت العلاقة بين جون ودير المخلص علاقة ود واحترام إلى أبعد الحدود. وهناك تلاق في المناسبات الدينية وتفاعل ومشاركة متبادلة، فضلا عن ان معظم أبناء جون، تخرجوا من مدرسة الدير».

عثمان

بدوره، أكد رئيس اتحاد بلديات إقليم الخروب الجنوبي سلام عثمان «ان دير المخلص في المنطقة رسالة محبة وسلام». ولفت «إلى وجود علاقات وصداقات تربطنا مع الرهبنة المخلصية والرؤساء العامين ومع رهبان الدير في شتى المجالات الإنسانية والاجتماعية والتربوية والوطنية، وعرفناها من أهلنا وأجدادنا ونتناقلها من جيل إلى آخر، وهي تتمثل بتبادل الزيارات في الأفراح والأتراح والوقوف جنبا إلى جنب».

وأعرب عن «ارتياحه لهذا الصرح الذي تراه متفاعلا دائما مع محيطه زائرا ومزارا في المناسبات الدينية والوطنية وغيرها». وشدد على «أهميته الوطنية في المنطقة المتنوعة طائفيا، وهو يوفر الأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة لأبناء المنطقة.