ماذا يحصل لبرنامج "أمان"؟ وهل توقفت الإفادة منه؟ حجار: ليحاسبني القضاء إذا كانت مقصراً

"أنا لا أخاف. لا أريد حصانة. ليأت القضاء ويحاسبني إذا كنت مقصرا".

بهذا الموقف، أكمل وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار لـ"النهار" ما سبق أن كتبه قبل ساعات، في منشور على حسابه عبر منصة "إكس"، حين دوّن الآتي: "بعد التأخير المتكرّر في تأمين الأموال لدفع المساعدات للبنانيين الفقراء ضمن برنامج "أمان"، أضع نفسي بتصرّف القضاء ليحكم ما إذا كنت أنا سبب هذا التأخير، ويحدّد المسؤوليات ويلاحق المتقاعسين والمعرقلين".

رفع حجار الصوت عاليا. هو يرفض عبر "النهار" تسمية المعرقلين. يقول: " الآن، القضية باتت أمام القضاء، فليحقق. الشعب يتهمني بسرقة الأموال، أو بأنني لا أدفع المبالغ للمستفيدين، فليتفضل القضاء وليجر تحقيقا كاملا ومكتملا، لمعرفة من هم المعرقلون فعلا".

ويتدارك: "فريقي يعمل يوميا من السابعة صباحا. لقد تحولنا معقبي خدمات. نقوم بكل ما يلزم. وفي النهاية، يحلو للبعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلقاء التهم جزافا، ويوميا، معتبرين أن الوزارة أو الوزير هما من يتحملان مسؤولية عدم دفع الأموال. هم يستسهلون التهم، ويدّعون أن الوزير يسرق الأموال. فيما الواقع أن ليست كل الأمور عندي. فليتفضل القضاء وليكشف الحقيقة".

ويتابع: "أنا لا أرد ولا أتكلم، احتراما لفقر الناس وللفاقة. إنما في الوقت نفسه، لست مكسر عصا ولا أخاف. ليتفضل القضاء وينه المعضلة. لن أقبل بالتهم العشوائية الافتراضية".

إلى هنا ينتهي كلام الوزير. لا يريد أن يفصح أكثر ولا أن يعطي معلومات. يختم: "الكل يعرف مسؤولياته. يكفي التحجج بالأمور الروتينية. الوزارة تملأ الاستمارات الاجتماعية وتقوم بكل ما يلزم، إنما ثمة أعمال ليست عندي. نريد الحقيقة".

فأين الحقيقة في هذا الملف؟ وفي الأساس، ما هو برنامج "أمان"؟ ومن أين تمويله؟ وما هي المعضلة الجديدة التي ملأت الكأس ففاضت، ثم خرج الوزير عن صمته وطلب اللجوء إلى القضاء؟

قرض وشبكة متكاملة

هذا البرنامج هو قرض من البنك الدولي، كانت مدة الاستفادة منه 12 شهرا. وقد عملت وزارة الشؤون الاجتماعية مع فريقها الداخلي وعدد من الشركاء على تطوير البرنامج، حتى أصبحت المدة 18 شهرا.

أولا، بدأ العمل "من صفر مستفيد"، وانتهى البرنامج بـ 75 ألف مستفيد نهاية العام الماضي. القسم الأول استفاد لمدة 18 شهرا، وقد اكتمل "العمل الإداري" كي يستفيد القسم الثاني لمدة 18 شهرا كذلك.

أما التمويل، فعلى شكل قرض. ومنذ أن دخل لبنان جائحة "كورونا"، وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت ومرورا بالأزمة الاقتصادية - النقدية وما رافقها من حجز للأموال، رأت الدول المانحة أن أمامها "واجب مساندة" لبنان، بعدما باتت الطبقة المتوسطة فيه فقيرة. فكان برنامج "أمان" إلى جانب برامج اجتماعية أخرى.

وخلال كل هذا المسار، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية تعدّ العدة، سواء عبر المطالبة بآليات قانونية من خلال تعديل القانون، أو عبر التعجيل في المسار الإداري - الروتيني الذي يتطلب عمل أكثر من وزارة معا.

ووفق معلومات "النهار" فقد توقف الدفع لنحو 75 ألف عائلة. كان ذلك في بداية العام الحالي، فتكثفت الاتصالات بين عدد من الوزارات والبنك الدولي، أثمرت وقتها قرضا جديدا بقيمة 300 مليون. إنما تطلب الأمر أقراره من مجلس النواب، ولاسيما بعدما أضاف المجلس جملة رفضها البنك الدولي واشترط حذفها لأنها بنظره "تلغي كل الاتفاق".

 

خلال هذه الفترة الزمنية نفسها، حضرّ مجلس الوزراء مرسوما تطبيقيا لاتفاق القرض، وقد وقعته وزارة الشؤون الاجتماعية وأكمل سيره نحو الوزارات المعنية الأخرى، وفي مقدمها وزارة المال. ومن المعلوم أن مراسيم تطبيقية مماثلة تمر في المالية ثم في ديوان المحاسبة فمصرف لبنان كي يفتح حساب مصرفي تمهيدا لتحويل الأموال إليه، من أجل أن تدفع لاحقا للمواطنين المستفيدين.

إذا الحلقة متكاملة، هي نوع من شبكة مترابطة تظهر الجهات المعنية بعمل برنامج "أمان".

محطات تأخير

يعتبر مشروع "شبكة الأمان الاجتماعي" من المشاريع التي وضعت في الأساس لثلاث سنوات، وكانت كلفته 246 مليون دولار أميركي ويهدف إلى تقديم تحويلات نقدية وتوفير الخدمات الاجتماعية للبنانيين الفقراء والمهمشين الرازحين تحت ضغط الأزمة الاقتصادية وجائحة "كورونا".

لقد هدف إلى إيقاف الزيادة في معدلات الفقر المدقع، والحفاظ على رأس المال البشري، لاسيما للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما من الملتحقين بالمدارس الحكومية، كما سعى إلى تطوير منظومة وطنية مستدامة لشبكات الأمان الاجتماعي في لبنان.

وخلال العام الحالي، شهد البرنامج أكثر من محطة عرقلة وتأخير:

في 28 شباط 2024، تقدمت وزارة الشؤون الاجتماعية من مجلس الوزراء بطلب إطالة مهمة تنفيذ المشروع حتى عام 2026، كي تتمكن الفئة التي استفادت من البرنامج لمدة 12 شهرا من استمرار الإفادة لمدة 24 شهرا، أما الفئة التي استفادت 18 شهرا، فيفترض أن تستكمل إنجاز بعض المعاملات الروتينية للاستفادة للفترة الإضافية المقبلة.

وفي شهر تموز الماضي، تأخرت التحويلات للمستفيدين من برنامج "أمان"، وعزي السبب إلى أحد بنود موازنة 2024. إذ تبين أن ثمة إجراءات جديدة في موازنة 2024، وتحديدا في البند الثاني من المادة السادسة، أخّرت معها تحويل المساعدات المخصّصة لشهر تموز.

وعلمت "النهار" أن استمرار عملية تحويل الدفعات المالية بموجب برنامج "أمان" يستوجب صدور مرسوم من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير المال والوزير المختص، أي وزير الشؤون الاجتماعية، لضمان استمرار تحويل الدفعات للمستفيدين من البرنامج وفق أموال القرض من البنك الدولي.

هكذا، بين تقييد العمل الروتيني لأكثر من وزارة وتكبيل مجلس النواب و"العمل المثقل المرمي" على مجلس الوزراء، وسط الفراغ المستشري، ثمة مشاريع تدفع الثمن. فكانت صرخة وزير الشؤون الاجتماعية. والأهم من كل ذلك، هل يستجيب القضاء لمطلب حجار فتُعرف الجهة المعرقلة، أو المستفيدة؟